بقلم :أ.د مها عبد القادر
(أستاذ أصول التربيةكلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر )
تؤدي المؤسسة التعليمية دورا رئيسا يتمثل في تعديل السلوك لدى المتعلم داخل إطار العملية التعليمية، ويمتد هذا التعديل بالتعاون مع الأسرة التي تسهم في إكساب المتعلم الخبرات الحياتية المتوازنة بما يحقق ماهية التكامل بين الكيان المؤسسي التربوي وكيان الأسرة.
وعندما نتسمع أو نشاهد حالةً من حالات التعدي من قبل من يمثلون الرسالة السامية؛ فإننا نتساءل تساؤلًا مشروعًا: هل بات التعدي إحدى الوسائل المصرح بها في التربية سواءً أكان ذلك في المؤسسة التعليمية أو في المنزل؟، والإجابة الصريحة التي لا جدال حولها، أنه لا تمارس أساليب العنف من ضرب أو إذلال بشتى الطرائق والأساليب على المتعلمين، حتى لا تترك تلك الممارسات آثارًا مدمرةً على وجدانيات وممارسات الفرد طيلة حياته.
إن للمتعلم حقوق لا ينبغي أن نتجاهلها أو نقترف ما يهدرها، وأن عليه واجباتٍ متمثلةً في أداءاتٍ ومهامٍ يؤديها من خلال أنشطةٍ مقصودةٍ ومخططٍ لها بعنايةٍ من قبل أصحاب الخبرات ومنهم المعلمين الذين يمتلكون مهارات الأداء التدريسي النوعية، ومن هذه المهارات المهمة والتي تشكل عصب العملية التعليمية مهارة المناخ التعليمي الفاعل الآمن؛ حيث يتوجب على المعلم أن يعمل على إيجاد بيئةٍ صفيةٍ تستوعب طاقات المتعلمين وتستثمرها في الاتجاه المرغوب فيه حتى تتحقق الأهداف التعليمية في مجالاتها المختلفة والمعدة سلفا.
وعندما يتعثر المتعلم في أداء المهام التي توكل له، على المعلم أن يستخدم مهاراتٍ احترافيةٍ ليحقق للمتعلم الهدف المرتبط بالخبرة التعليمية المراد إكسابها له، ومن ذلك مهارة التغذية الراجعة التي تساعده على تصحيح الخطأ والوقوف علي أوجه القصور، وعندما يؤدي المنوط به مهام يستخدم المعلم مهارة التعزيز التي تسهم في تكوين اتجاهات إيجابية نحو محتوى التعلم ومن يقوم بتدريسها، ومن ثم أضحت أساليب الضبط مرهونةً بتبني فلسفة قواعد العمل الصفية التي تضمن للمعلم سلامة التصرف حيال التجاوزات التي قد تصدر عن المتعلمين أثناء التدريس، بل وتجعل المتعلمين آمنين غير مروعين في أماكنهم وأثناء تحركاتهم المشروعة بالبيئة الصفية، ومن ثم يسود الاحترام والتقدير بين المعلم والمتعلمين.
ورغم ما تتخذه المؤسسات والإدارات التربوية والتعليمية من إجراءات تجاه ما قد يصدر من ممارساتٍ غير مشروعةٍ كحالات العنف والتعدي والتنمر وغيرها من الظواهر التي يتم رصدها؛ إلا أن هناك آليات ضبطٍ قد تساعد في الحد من هذه الظواهر غير المعتادة وغير المقبولة قيميًا ولا مجتمعيًا، ومن ثم يتوجب العمل على تبني قواعد العمل التي تحافظ على الاتزان الانفعالي لطرفا العملية التعليمية عبر البيئة الصفية بمكوناتها المختلفة؛ بالإضافة إلى صياغة برامج تدريبية للقائمين على مسئوليات المؤسسات التربوية من معلمين وإداريين تتناول مهارات التعامل والتفاعل السوي مع المتعلمين.
وهناك ضرورةٌ قصوى حيال التواصل الفعال بين المؤسسات التعليمية والأسرة حتى يتم تناول المشكلات التي قد تواجه المتعلم والتعامل معها قبل أن تتفاقم، ومن ثم وضع الحلول المشتركة التي تسهم في حلها، كما يأتي الاهتمام بالملف الوثائقي الذي يتضمن وصف سلوك المتعلمين ووضع آليات للمعالجة الفورية تجاه السلوكيات غير المرغوب فيها بشكلٍ وظيفيٍ.
ويؤخذ في الاعتبار أهمية عقد ندواتٍ تثقيفيةٍ للمعلمين توضح مخاطر ومشكلات العنف والتعدي وغيرها من المخاطر التي يتعرض لها المتعلمين مادياَ ومعنوياً، أثناء انعقاد العملية التعليمية؛ بهدف تجنبها والحذر من ممارستها وكيفية مواجهتها ومعالجة آثارها، ويتوجب توضيح التشريعات وتفعيلها التي تؤكد تجريم الاعتداء على المتعلمين والمعلمين ومتابعة تنفيذها بكل قوةٍ وحزمٍ لمنع تكرارها ، مع الاهتمام بالتواصل الفوري من قبل المؤسسة التعليمية مع ولي الأمر للتباحث ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تلك الظواهر، وإيجاد مناخٍ داعمٍ للعملية التعليمية.
ولا مناص عن تبني لغة الحوار في المنزل والتي قد تظهر الممارسات غير السوية تجاه المتعلمين للإبلاغ الفوري عنها للمؤسسة التعليمية أو للجهات المنوطة بها؛ لذا يجب الاهتمام بتفعيل لغة الحوار الأسري حيال ما قد يعاني منه الأبناء من مشكلات تعليمية مرتبطة بالخبرات التعليمية أو التعاملات اليومية المتنوعة والمتعددة داخل المؤسسة التعليمية، كما يجب العمل على فتح قنوات التواصل المتعددة الرقمية وغير الرقمية بين المؤسسة والأسرة للحد من المشكلات التي تصدر عن ممارسة السلوك غير المرغوب فيه من قبل المتعلم.
وإيمان كلاً من الأسرة والمؤسسة التعليمية بأهمية تضافر الجهود تجاه تعديل السلوك لدى المتعلمين بالطرائق والأساليب الحديثة أمرٌ ضروريٌ، وتبني فكرة العدالة الناجزة حيال الشكاوى التي تصل لجهات التحقيق وإعلانها من خلال وسائل الإعلام التربوي والرسمية بالدولة، ومن ثم ينبغي ضمانة التعريف بالحقوق والواجبات عبر قواعد العمل التي تعلن عنها المؤسسة التعليمية والحرص على تفعيلها ومعاقبة من يتجاهلها من طرفي العملية التعليمية (معلم – متعلم).
والتأكيد على أصول العلاقة الطيبة بين طرفا العملية التعليمية (معلم _ متعلم) والتي تقوم على الود والرحمة والمحبة والاحترام المتبادل والتقدير المعنوي، كما يجب تدريب المعلم على التعامل الاحترافي مع كافة صور الاضطرابات السلوكية التي قد يعاني منها بعض المتعلمين، كذلك التأكيد على أن يمارس المعلمون كافة الأداءات التي تسهم في بناء شخصية المتعلم الإيجابية والقيادية، وتجنب الممارسات السلبية التي قد تؤدي إلى فقد الشخصية أو تبني أساليب العنف وصور التنمر المختلفة.
ولا ننكر الدور الإيجابي من قبل الأسرة المتمثل في تعضيد احترام المعلم وتقديره وطاعته والحرص على اكتساب الخبرات التي يمتلكها وتسهم في بناء العقول والمهارات النوعية، كما لا ننكر ضرورة الاهتمام بالجانب الوجداني لدى المتعلم من خلال تصميم أنشطةٍ جذابةٍ للمحتوى التعليمي من قبل المعلم بما يؤدي لإكسابه مجموع النسق القيمي النبيل المستهدف غرسه.
ولقد باتت الضرورة واضحةً حيال اتخاذ المؤسسة التعليمية ما يلزم من تدابير وإجراءات تحمي بها طرفا العملية التعليمية (معلم _ متعلم) وخاصةً عند حدوث مشكلاتٍ غير مألوفةٍ، وأن يتبع المعلم استراتيجيات التدريس الحديثة التي يؤدي من خلالها المتعلم أدوارا فاعلةً يستثمر فيها طاقته ويلبي احتياجاته التعليمية، ويقلل من محاولات الخروج عن النظام المؤسسي، ويرغبه في مزيدٍ من حب الاستطلاع العلمي والتعلم الذاتي مدى الحياة والأعداد للحياة والعمل، من خلال تحقيق أبعاد التعليم “تعلم لتكون- تعلم لتعرف- تعلم للعمل- تعلم لتتعايش مع الآخر”، وتفعيل المهام المنوطة بالتوجيه الإرشاد النفسي والاجتماعي لكل منتسبي المؤسسة التعليمية بهدف تقديم المساعدة المناسبة وكيفية التعامل مع التحديات بشتى أنماطها الشخصية والاجتماعية والعاطفية.