فى16 مارس 1923 تشكلت جمعية الاتحاد النسائى المصرى برئاسة هدى شعراوى، بعد أن تركت لجنة الوفد المركزية للسيدات تحت رئاسة وكيلتها السابقة شريفة رياض، وأصبحت الجمعية – عقب تكوينها – فرعًا من الاتحاد النسائى الدولى. وفى 1924 أصدرت جمعية الاتحاد النسائى، واللجنة التنفيذية للسيدات الوفديات بيانًا مشتركًا، يتضمن بعض المطالب النسائية، ومن بينها تحقيق المساواة بين الجنسين فى فرص التعليم، وتعديل القانون لتحصل المرأة على حق الانتخاب، وإصلاح قوانين الزواج لمنع تعدد الزوجات، وعدم التطليق إلا أمام القاضى الشرعى، ومنع زواج الفتاة قبل سن السادسة عشرة، والولد قبل الثامنة عشرة.
صدر مرسوم ملكى فى 1923 برفع سن الزوجة إلى ست عشرة سنة، وسن الزواج إلى ثماني عشرة سنة وقت العقد. وعلى الرغم من الأغنية التى عارضت القانون: أبوها راضي وأنا راضي.. مالك انت بقى ومالنا يا قاضي، فقد اعتبر القانون مكسبًا للمرأة المصرية.
وفى 1942 أعلنت فاطمة نعمت راشد قيام الحزب النسائي – وهو أول هيئة نسائية تظهر إلى جانب الاتحاد النسائي – ومن أهدافه:
– مساواة المرأة بالرجل والنهوض بها، برفع مستواها الأدبي والفكريوالاجتماعي.
– السعي بكل الوسائل المشروعة لتنال المرأة المصرية حقوقها القومية والسياسية والاجتماعية كاملة، فيكون لها حق الانتخاب والتمثيل النيابي، والتمتع بحقوقها كمواطنة مصرية.
– قبول المرأة في كل وظائف الدولة، متى كان لديها المؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظائف.
– إعطاء العاملات حق التمتع بكل قوانين العمال، ومساواتهن بهم فى جميع الحقوق، ووجوب إشراكهن في النقابات، ومنحهن إجازات كاملة للوضع بأجر كامل، وإنشاء دور لحضانة الأطفال حتى عودة الأمهات من العمل.
– منع تعدد الزوجات، ومنع إطلاق حرية الطلاق، بالعمل على تقييدهما إلا للضرورة الطارئة.
– تحسين النفقات الشرعية، ووجوب سرعة البت فيها.
– رفع سن الحضانة عن السن المقررة إلى تلك الفترة: 14 – 16.
وقد واجه الحزب النسائى – غداة إعلان تكوينه – حملة عنيفة من الاتحاد النسائي، فقد اتهمه بإيقاع الفرقة والانقسام في صفوف الحركة النسائية، لكن فاطمة نعمت راشد ردت الحملة بدفاع طويل، قررت فيه أن الاتحاد النسائي فتر نشاطه، ولم يعد يمثل من الحركة إلا الأنشطة الاجتماعية، وأنها لم تنقسم على الاتحاد لأنها لم تكن عضوًا فيه، وإنما كانت تتعاون معه في أنشطة الحركة النسائية بكتابة المقالات في الصحف.
تشير إنجي أفلاطون إلى أن الحزب النسائي قد برز في ميدان الحركة النسائية بروزًا واضحًا، وبعث برنامجه النشاط فى الحركة النسائية فترة من الزمن، فشغلت مشكلة المرأة الرأى العام من جديد، لكن هذا النشاط لم يثمر بتحقيق هدف واحد من برنامج الحزب، ولم يبذل الحزب جهودًا كافية في سبيل أهدافه.
وفي ديسمبر 1944 انعقد المؤتمر النسائى بالقاهرة، وكان المؤتمر موضع اهتمام كثير من رجال الصحافة والأدب والاجتماع، لكن المؤلم أن أكثر النقد والتعليق كان موسومًا بطابع الفكاهة، أو التندر. ثمة من يرى أن تمنح النساء حق عضوية مجلس الشيوخ، ومن يروي قصصًا هزلية عن نساء روسيا ” الشيوعيات “، ومن ينادى بضرورة حذف واو الجماعة، إذا أجيب المؤتمر إلى طلبه الخاص بحذف نون النسوة إلخ..
وفى 1945 أعلن عن تكوين الحزب النسائى الوطنى. ترسم منيرة حسنى صورة بالغة الطرافة للحزب الذى كان يدار من خلال الانفعالات الوقتية والطارئة لرئيسته، فهي تقدم على قبول الأعضاء، وعلى فصلهن، وعلى الرضى أو السخط عليهن، تبعاً لمزاجها الشخصى. وكان أغلب أعضاء الاتحاد النسائى – فى تقدير منيرة حسنى – من السيدات المسنات، ومن الطبقة الأرستقراطية ” التي لا تتفق ميولها وطبائعها مع أخلاقنا “. وكانت أحاديث أعضاء الاتحاد النسائي تدور باللغة الفرنسية فقط، وكانت تترجم أقوال السيدات إلى العربية سيدة فرنسية تدعى أوجينى!.
كتبت منيرة حسني عن اتحاد بنت النيل: ” لا توجد فى اتحاد بنت النيل سيدة واحدة تجرؤ على القيام بنشاط يثبت عضويتها فى هذه الهيئة، غير الرئيسة فقط”. أما الأعضاء، فهن ملء خانات وضرورة لابد منها، تطبيقاً لقوانين الهيئات والجمعيات “.
لم يكن عدد أكبر المنظمات النسائية المصرية يزيد على مائتى عضو، وكانت العضوية مقصورة على أعداد قليلة من السيدات المتعلمات وسيدات المجتمع، وتخلو – أو تكاد – من ممثلات الطبقة الشعبية، وربات الأسر المتوسطة، والطالبات والعاملات والموظفات، فضلًا عن الفلاحات اللواتى كن في عزلة تامة عن نشاط المنظمات النسائية، وكانت القيادات النسائية – من ثم – بلا قاعدة حقيقية، يرتكزن إليها فى الدعوة والنشاط.
وعابت إنجى أفلاطون على المنظمات النسائية أنها مقصورة – فى الغالب – على عدد ضئيل من السيدات المثقفات وسيدات المجتمع، ولا تضم بين صفوفها ممثلات للنساء الشعبيات، ربات الأسر المتوسطة والطالبات والعاملات والموظفات، بل والفلاحات اللائي يقاسين آثار المظالم الواقعة على المرأة المصرية في أقصى حدتها، ولسنا ننعى على السيدات المثقفات قيادتهن للحركة النسائية، فهذه القيادة أمر طبيعى، وإنما يعوزهن التأييد الشعبى من جانب الملايين من النساء المصريات، حتى يشعر أولو الأمر – والقول لإنجي أفلاطون – بأن مطالب النساء منبعثة من المجموع، لا من حفنة من الهاويات الباحثات وراء المغانم الشخصية “.
اللافت أن المجهودات النسائية الفردية استطاعت أن تلم شتاتها منذ مطالع القرن العشرين، فى تنظيمات جماعية، لكنها ظلت تعانى فقدان الإيجابية، لاعتبارات عدة، أهمها أن المرأة كانت تطالب بحقوقها، وقوًاً تحت ظل الرجل، فلم يكن ثمة مجال للرفض، أو الفرض، أو التمرد. كان الأمر أقرب إلى تقديم إلى ” الالتماسات ” التي يقبلها الرجل، أو يرفضها.
لخصت الراوية – فى مذكرات طبيبةلنوال السعداوي – تلك المعركة، معركة الرجل والمرأة، مساواة المرأة بالرجل، بأنها معركة مزيفة.غلبة النظرة الدينية إلى المرأة، وأنها ناقصة عقل ودين، أضعفت من فرصة المرأة لتحقيق ذاتها، ومغادرة أسوار التخلف.وقد غابت المرأة عن التنظيمات السياسية والنقابية ذات التأثير. وكانت أسباب منع اشتراك المرأة في عضوية النقابات غاية فى السخف، مثل القول بأن التقاليد تأبى ذلك، لما يترتب على العمل النقابي من اجتماعات في أوقات متأخرة من الليل لا تتناسب وطبيعة المرأة.
كل القرارات التى كانت تتخذها تلك التنظيمات كانت تتم في غيبة المرأة، رغم أنها أصبحت تمثل – بالتدريج – وجودًا حقيقيًا ومؤثرًا في القاعدة العمالية، ومن ثم فإن المرأة كانت تفتقد الصوت الذي يتنبه لحقوقها كربة أسرة عاملة، تعاني الظروف الاقتصادية نفسها التى يعانيها رب الأسرة العامل.
وتأكد اشتراك المرأة العاملة في النشاط السياسي، حين انضمت ” رابطة العاملات بالقاهرة ” إلى عضوية مؤتمر نقابات عمال مصر، وحضر الاجتماع التأسيسي مندوبات عن الرابطة، تولت إحداهن [ حكمت الغزالى ] شرح أهدافها، وفي مقدمتها اتحاد العاملات مع العمال في قوة نقابية واحدة، والعمل على تحقيق المساواة مع الرجل في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، مثل حق العمل والمساواة في الأجر، ومباشرة الحقوق السياسية، وتيسير الحياة أمام المرأة بفتح دور الحضانة، وبيوت الأمومة، ورياض الأطفال، وإنشاء مطاعم شعبية، ووحدات صحية، فضلًا عن التأمين الاجتماعي، وحق التعليم المجاني في جميع المراحل، والحصول على إجازة مدة شهر، قبل الوضع، وبعد الوضع.
شاركت المرأة في المظاهرات الشعبية عام 1946. كما ساهمت في اللجنة التنفيذية للطلبة والعمال التيقادت حركة الجماهير آنذاك.وكتب خالد محمد خالد: ” لقد آن للمصفدات في الأغلال عندنا أن ينطلقن، وآن للرئة المعطلة أن تؤدي دورها، ليتنشق الجميع فيها أنفاس الحياة”، وقدم أحد أعضاء مجلس النواب [ زهير صبرى ] مشروع قانون لمساواة المرأة سياسيًا بالرجل، وإشراكها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما تحقق – كما تعلم – في العقود التالية.