لا أذكر القائل إن الإنسان ذكري.
برغم أن التعبير يحتمل أكثر من معنى، فإن المعنى الذي يطمئن إليه وجداننا أن الذكرى الخيرة هي ما يبقى من المرء.
نحن نجد هذا المعنى في كل العبارات التي ودعت بهاء طاهر. ثمة الكثير من الإعجاب بإبداعه المتفوق، وثمة الأكثر من التقدير للبعد الإنساني في حياته.
عقب فوزي بجائزة الدولة التشجيعية عن كتابي” مصر في قصص كتابها المعاصرين” دعاني بهاء طاهر إلى مناقشة حول الكتاب في إذاعة الشرق الأوسط.
قال لنظرتي المتسائلة: أعددت كل شيء، البرنامج عن الشخصية المصرية، والمحاوران إيناس جوهر وسمير صبري.
إن أتيح لك قراءة الكتاب، فلعلك تعلم أن قوامه الرئيس أعمال مبدعي الأربعينيات: نجيب محفوظ والسحار وعادل كامل والبدوي ومكاوي ومخلوف وعبد الحليم عبد الله وغيرهم. تناثرت إبداعات الأجيال التالية– ومنها روايات بهاء وقصصه – في صفحات الكتاب بما يحاول الإضافة إلى المشهد الروائي والقصصي منذ حملت أمينة المصباح ليصعد أحمد عبد الجواد في ضوئه عقب سهرته الليلية.
ذهبت إلى مبنى ماسبيرو في الموعد الذي حدده لي بهاء، حدست من أسئلة المحاورين أنهامحصلة قراءة بهاء طاهر للكتاب، وصار الحدس يقينًا لما تردد اسم بهاء في الكثير من الأسئلة والآراء والملاحظات، فهي – على حد تعبير سمير صبرى – مهداة منه لبرنامج يعني بجوانب من الشخصية المصرية في فترة التهيؤ لحرب أكتوبر 1973
وعصر يوم من مارس 1999 دخلت مبنى اتحاد الكتاب بالزمالك، لانتخاب هيئة مكتب مجلس الإدارة ومقرري اللجان. عدا اختيار فاروق شوشة لمنصب الرئيس، فقد كنت خالي الذهن من الأسماء التي ينبغي اختيارها.
كان بهاء طاهر أول من التقيت في مدخل المبنى.
بادرني بالقول: رشح نفسك لمنصب نائب الرئيس، وسننتخبك.
أشرت إلى نفسي بدهشة: أنا؟!.
قال: هذا قرارنا.
وأشار إلى وحيد حامد وجمال الغيطاني وعبد التواب يوسف وأحمد الشيخ وغيرهم من أعضاء المجلس الجديد.
أومأ الجميع بالموافقة على اقتراح بهاء طاهر.
غلبتني الحيرة لأني تصورت نفسي عضوًا في مجلس الإدارة. لم يشغلني أن أكون مسئولًا عن مهام اعتادها آخرون.
بدأت العملية الانتخابية. فاز فاروق شوشة بالرئاسة، ثم طالب رئيس جلسة الإجراءات أسماء مرشحي منصب نائب الرئيس.
لاحظ بهاء طاهر ترددي، فلا صلة لي بالانتخابات، ولا ما يتصل بها من ترشيح ووعود، قد لا أمتلك إمكانية تنفيذها، وقد تكون مجرد إشارة إلى سراب. ولعلي أذكر أني وعدت ( وحرصت على تنفيذ وعدي ) ألّا أتقاضى مكافآت من أي نوع، ارتكازًا إلى أن الخدمات النقابية عمل تطوعي.
هز بهاء رأسه يستحثني على رفع يدي. وحصلت بالفعل على ثقة الأصدقاء أعضاء مجلس الإدارة، التي أتصور أنها كانت انعكاسًا لثقة بهاء طاهر.
وزارني بهاء – ذات صباح – في مكتبي بالاتحاد، وبيده ثلاث نسخ من مجموعة قصصية حديثة لي، قال في نبرته الحانية: ربما احتجت إليها كإهداءات.
لاحظ الراحل فؤاد قنديل تأثري. علت شفتيه ابتسامة: هذا ما يفعله بهاء معي، ومع أصدقائه الأدباء.