الخبر نشرته صحف الجمعة: تشهد اليابان تراجعًا كبيرًا في عدد المكتبات. فقد انخفض خلال العقد الماضي بمقدار الثلث، مما دفع محبي القراءة إلى المطالبة بالحرص على المكتبات باعتبارها – وأنقل نص الكلمات – ضرورة لبيئة حضرية نابضة بالحياة.
ذلك ما حدث في البلد الذى تصفه الكتابات – تأكيدًا لتقدمه المذهل – بأنه كوكب اليابان الشقيق!
مصدر الخبر منظمة اسمها “النشر اليابانية لتطوير البنية التحتية للمعلومات”، وأشارت إلى أن عدد المكتبات في اليابان بلغ حوالي 12 ألف مكتبة، بانخفاض 30% عن عددها قبل خمس سنوات. والسبب – بالطبع – وسائلل المعرفة الإلكترونية التي يعاني الكتاب الورقي تأثيراتها السلبية، بحيث لم يعد للمكتبة دورها القديم.
يثور السؤال: ماذا عن تأثيرات مواقع الاتصال في حياتنا المصرية؟
لا تحضرني بيانات عن تلك التأثيرات على مكتباتنا، لكن الذي أعرفه أن انحسار أعداد المكتبات ظاهرة في حياتنا من قبل أن تصبح الثورة الإلكترونية بعدًا في حياتنا. أشير على سبيل المثال – إلى غياب مكتبات الأحياء والمساجد الكبرى التي كانت تمثل مقصدًا مهمًا لمحبي المعرفة.
تمنى الأرجنتيني ألبرتو مانجويل أن يصبح أمين مكتبة. شغلني – شخصيًا – أن أجاوز تلك الأمنية، فأخلو إلى محتويات مكتبة، أقرأ ما بها دون رهان مشابه لما فعله بطل قصة بهذا الاسم لجوركي. تشمم رائحة الكتب تعبير مجازي، لكنه – بالنسبة لي – تعبير عن واقع الحال.تأخذني الرائحة المميزة للكتب في مكان مغلق. مجرد رصّات الكتب، دون فهرسة، ولا إعداد، أو ترتيب، يداخل النفس بشعور يفوق الشعور بالملكية!
أذكر مقولة للفرنسي كلود روا: أنا لا أدخل مكتبة إلا وانتفخ صدري غيظًا لفكرة أنني لن أستطيع أبدًا قراءة كل الكتب المعروضة. إن لعابي يسيل أمام المكتبات مثل طفل في الساعة الرابعة، أمام واجهة محل فطائر، إنني أكدس الكتب، ما قرأته منها، وما لم أقرأه، وما لن أتمكن من قراءته.
مع تعدد المكتبات التي أفدت من مقتنياتها، فإن مكتبة دير الدومينكان بالعباسية تظل هي المكتبة الأنسب لمحبّي القراءة، وخاصة ما يتصل بالحضارتين الإسلامية والعربية. لا إجراءات من أي نوع تسبق حصولك على الكتاب الذي تريده، كأنك في مكتبة بيتك. تتجول بين الأرفف، تقلّب العناوين، تتأكد – بالقراءة المتفحصة – من المعنى الذي تقصده، تضع الكتاب على السلم ذي الجرار، إضافة إلى كتب أخرى قد تختارها، أو تعيده إلى موضعه. إذا لم تجد – في جولتك على القدمين – ما تطلبه، فأنت تستطيع أن تصعد السلم، لمراجعة الأرفف العلوية، بحثًا عن الكتب التي تطلبها.
دفتر الزيارات الضخم يبين عن الرموز الثقافية الذين قصدوا مكتبة الدير طلبًا لمصادر أو مراجع، قد تغيب عن باقي المكتبات العامة والخاصة. تقرأ توقيعات طه حسين وزكي نجيب محمود وبحيى حقي وتوفيق الطويل ونجيب محفوظ وعاطف العراقي وعبد الحليم عبد الله.
والقائمة طويلة.
لقد أثبتت الأبحاث في الغرب الأوروبي، أن الشباب زاد إقبالهم على القراءة – أعني القراءة من الكتاب المطبوع، ومن التردد على المكتبات – رغم الوسائل الإعلامية الحديثة، المتطورة، كالإنترنت.
يذكرنا مدمنو الإنترنت –أن الكاتب– زمان – كان يقطع المسافات، سيرًا، أو على دابة، للبحث عن معلومة. الآن، تكفي ضغطة على ماوس الكمبيوتر لينفتح أمامنا عالم بلا حد من المعلومات.
أنا ألجأ إلى الإنترنت للبحث عن معلومة، أو معلومات، أو للاستزادة بما يعين حصيلتى المعرفية على التوصل إلى الرأي الذي لا تجانبه الموضوعية.
لكن الإفادة من معلومات الإنترنت لا تعني أننا عرفنا كل شيء. ستظل الحصيلة المعرفية ناقصة مهما استغرقت القراءة، والبحث عن المعلومة.
قد يهب الإنترنت معلومات أكثر، لكن قد يخالطها الخطأ، أو غياب الموضوعية.
أوافق ألبرتو إيكو على أن في صحراء الثقافة الظاهرة ليس كل شيء حزينًا وسوداويًا. إنها قضية نسبية. يقال: لا أحد يقرأ اليوم، لكن لو ذهبت إلى دور النشر أو المكتبات– الكلام لألبرتو إيكو – فستجد أن هناك أربعمائة شاب يقرأون. يضيف: في فترة شبابي، كان هناك أربعة فقط هم الذين يقرأون.