لعلك تذكر حديثي إليك في بداية الموسم الكروي الفائت. عبرت عن إشفاقي على الأندية الشعبية، ما لم يعدل اتحاد الكرة عن سياساته المنحازة دومًا للأهلي والزمالك.
لا أدري من كرس تسمية قطبي الكرة المصرية، وإذا كانا – بصرف النظر عن موقعهما، أو موقع أحدهما، في الدوري – يحملان هذه التسمية، فلماذا مسابقة الدوري؟ لماذا لا يتقاسمان – على نحو ما – كل الجوائز، في كل المسابقات، في كل الألعاب. يكرران ما أقدم عليه رئيس أحد الناديين، حين أخذ الكأس من مباراة كرة اليد، النهائية التي خسرها فريقه، وأعطاها للاعبيه: قائلًا: انتواأخدتوا الكاس خلاص!
مشهد عرضته قنوات التليفزيون، وشاهدته – مع الملايين – وأضفت حسرة إلى حسراتي على الرياضة المصرية!
وصف المعلق الرياضي السعودي وليد الفراج دوري كرة القدم في مصر بأنه محلي، بعكس عالميته في بلاد أخرى، مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا.. والسعودية.
الدوري القوي في صالح كل الفرق. يغنينا عن ملاحظة المعلق السعودي – ولنعترف أنها ملاحظة حقيقية – بأن الدوري المصري محلي قياسًا إلى الدوري في دول أخرى، عربية وأوروبية.
سلبيات الكرة المصرية كثيرة، لا لقوة ملاحظة، ولا سعيًا للإدانة دون فهم ( ما أسهل أن أواجه هذا الاتهام! ) وإنما لأن ذلك ما يراه تعدد آراء المسئولين عن الكرة في منافراتهم على وسائل الإعلام.
الحيرة تتملكنا ونحن نصغي إلى المسئول فلان يتهم المسئول أو المسئولين الآخرين، والعكس صحيح، بحيث يشكل مجموع اتهاماتهم ما يصح أن نطلق عليه: مأساة الكرة المصرية!
الملاحظة التي ترى في مليارات الدولارات التى أنفقت على الدوري السعودي، عاملًا أهم في المكانة التي حصل عليها في مسابقات الدوري العالمية.. هذه الملاحظة تغيب أمام التقدم الذي بلغه الدوري الكروي في الجزائر والمغرب والعديد من الدول الإفريقية.
مش مسألة فلوس!
في بالي دائمًا شيخ النقاد الرياضيين الراحل نجيب المستكاوي. ترفع عن كل نوازع شخصية، وانتقد الكثير من سلبيات الرياضة المصرية، ومنها كرة القدم. انتصر للعدالة في مسابقة الدوري العام، بعيدًا عن المال والإعلام الذي يصر أن يلبس البوصة لتصبح عروسة!
إذا أردنا للدوري العام المصري تسمية صحيحة، فلنسمه دوري القطبين، أو – في الحالة الجديدة الحالية – دوري الشركات.
من غير المتصور أندية تشارك في دوري للمحترفين، بلا عائد مادي تستثمره في تطوير فنيات لاعبيها، فالمدرجات خالية، ومساهمة شركة الرعاية محدودة، والقنوات التي تعرض المباريات لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، وغالبية الفرق بلا جماهيرية، وفرق الشركات واجهة للإعلان عن المنتجات بأكثر مما هي مشاركة فعلية بفريق ذي أهداف رياضية!
النادي الذي تصدر الصاعدين – هذا العام – من دوري الدرجة الأولى إلى الدوري الممتاز، يتبع إحدى الشركات.
التنبؤات – أو الترشيحات – وضعت الفريق في موضع المنافسة المرتقبة بين فرق المقدمة، الأهلي والزمالك وبيراميدز ( صناعة خليجية! ) وفيوتشر الصاعد حديثا!
حل في فرق الدوري الممتاز ناد جديد من أندية الشركات، بينما غاب النادي الشعبي أسوان، ونادي غزل المحلة الذي تحققت له مكانة جماهيرية على مدى سنوات طويلة، فاز فيها ببطولة الدوري التي كادت تقتصر على” القطبين – وأتعمد وضع مزدوجتين! – الأهلي والزمالك!
القيمة الأولى للنادي الرياضي في أشباله، يكتشف، يرعى، يدفع الأعمار السنية إلى الأعمار الأعلى، حتى الفريق الأول.
أذكر مكتشف الأشبال عبده البقال، الذي قدم للأهلي أهم نجومه، والمدرب القدير مصطفى حسين الذي قدم جيل محمود الخطيب.
تبدلت الأحوال، لا استراتيجية حقيقية يتبعها الأهلي في تكوين فريقه الكروي، يغري نجوم الفرق الشعبية بترك فرقهم، يستبدل بهم بعض أشباله، أو لاعبين ” كًسْر ” قدم غالبيتهم من أندية أخرى.
لقسوة الظروف المادية، فإن مجالس إدارات الأندية الشعبية قد يشغلها بيع نجومها الموهوبين بأكثر مما يشغلها صقل مواهبهم، ورعايتها، لتقوى بهم الفرقة، وتحل – في قائمة الدوري – في الوسط، أو في الذيل!
ولأن المدرجات ظلت – لسنوات – خالية، فقد انعكس ذلك على الحضور الجماهيري. الفرجة في التليفزيون أيسر من تعب الانتقال إلى الملاعب، وحين تكفل رؤساء أندية شعبية – الاتحاد والمصري على سبيل المثال – بالإنفاق على الانتقال إلى ملاعب المباريات، فإن الأعداد ظلت على تناقصها، لا لتكاسل أو عزوف عن التشجيع، وإنما لأن الطارئ صار ثابتًا، والاستثناء هو القاعدة، بمعنى أن المشاهدة في جلسة البيت أفضل!
تابعت – لسنوات – وقوف الاتحاد السكندري على حافة الهبوط، قبل أن يأتي الفرج، ثم تتكرر المشكلة في السنة التالية، حتى هذا العام الذي هلل فيه رئيس النادي لتصدر فريقه الكروي قائمة الدوري في المباريات الثلاث الأول، لكن تواصل المباريات أعاد إلى الأذهان حكاية المرأة التي ضيعتاللبن!
فاكهة الكرة المصرية هي التسمية التي أضيفت إلى فريق الإسماعيلي، تسمية لم يختلف فيها محبو الكرة، منذ أطلقها علي زيوار على نجم الإسماعيلي على أبو جريشة، بل قبل التسمية بسنوات، حين صعد الفريق من مأزق الدرجة الأولى إلى الدوري الممتاز بمواهب نجومه الكبار: رضا وشحتة والعربي وميمي درويش ويسري طربوش وغيرهم.
تستطيع الشركات أن تجد لنفسها مجالًا إعلانيًا في ذاكرة جمهور كرة القدم، تعفي نفسها، وتعفي الكرة المصرية من اصطناع فرق تشتري لاعبيها – بمبالغ عالية – من داخل مصر وخارجها، ضمانًا للمراكز المتقدمة التي لا تبخل على تحقيقها بأموال خصصت للدعاية، بينما الفرق الشعبية تتخلى – لقاء الإغراءات المالية- عن موهوبيها، وتتعاقد مع لاعبين متوسطي الموهبة، متواضعي القيمة المالية.
الرعاية نظام مطبق في معظم البلاد، وهو ما يسهل على الشركات – من خلاله – ترويج منتجاتها. هي الراعي الرسمي، اسمها في الملعب، وعلى فانلات اللاعبين، ويقترن بكل مناسبةيشارك فيها الفريق.