بقلم ✍️ د.محمد يحيى بحيري
(مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات بالمنوفية)
الضمير، ذلك الكيان الغامض الموجود بأعماق الوعى الانساني والذي اختلف المفكرون والفلاسفة في كنهه وطبيعته.
هذا الجزء من النفس الذي يلح عليها بعظمة الفضيلة ويدفعها دوما لتلمس طريقها والذي يولد شعورا بالندم يغمر الانسان عندما يخطأ او ينحرف عن جادة الصواب.
هذا الضمير الذي شد انتباه الجميع منذ القدم و الذي أدرك الجميع انه ليس أمرا تافها او شيئا عاديا بل هو في افعاله كعصا الساحر التي تحدث من التغييرات ما تنفتح له الأفواه في دهشة و ذهول، فعندما ينمو هذا الضمير في شخص ما ويتعاظم تأثيره، يتحول هذا الشخص إلى شخص محب للخير ومحب للغير ويتولد بداخله قدر كبير من الرقابة الذاتية وضبط النفس والترفع عن الأفعال المشينة.
وفي المقابل، عندما يغيب هذا الكيان وتتوارى نداءاته الحثيثة خلف عاصفة الشهوات و الغرائز، فإن النتيجة ستكون الانزلاق و التهاوي فى آبار عميقة من الطمع و التعدي على الغير وربما الاجرام أيضا.
هذا الضمير هو النداء الداخلي المستمر الذي يذكر الفرد بأن هناك افراد اخرين لهم حقوق و مصالح ومشاعر يجب مراعاتها كما يراعي الفرد مصالحه الشخصية، وهو الضمانة الأساسية لكي يراعي الفرد المصلحة العامة بل ويراعي مصالح الانسانية كافة.
وكما لاحظ الجميع، فهذا الضمير ليس امرا واحدا وثابتا فى مختلف الافراد، بل إن الامثال والحكاوي الشعبية امتلأت بملاحظات عن الضمير الحي والضمير الميت وشبهت هذا الكيان بالكائن الحي الذي يقوى ويمرض والذي يحيا ويموت.
ومن هنا كان السؤال دوما ما هي الوصفة السحرية او كلمة السرالخفية التي تضمن يقظة هذا الضمير و قوته و نموه ؟
إن كلمة السر هذه ليست تعويذة تقال مرة واحدة وينتهي الأمر، بل هي اسلوب تربوي متكامل ومنهج في التنشئة والتربية يمتد على مدار سنوات نمو الطفل.
هذا المنهج التربوي يرتكز على تدعيم مبادىء الحق والخير و الجمال في نفوس النشء ويعمق في نفوسهم ضرورة تكامل النجاح المادي مع النجاح الأخلاقى وأن حب الغير ونفع الغير هو مكسب شخصي يعود على الفرد بالنفع قبل ان يستفيد منه الآخرون.
إن كلمة السرالبسيطة هذه هي في الحقيقة كلمة سر لإسعاد الفرد بل و البشرية كلها. فالعالم كله الآن في امس الحاجة لكلمة السر هذه و في امس الحاجة للضمائر الحية التي تنشغل بالخير و اسعاد الآخرين والتي تقدر قيمة الحق و الخير و المبادىء الانسانية.
وبرغم تعقد الحياة الحديثة و كثرة مجالاتها تشعب ميادينها وبرغم المحاولات الكثيرة للبحث عن الحلول المختلفة لشتى المشاكل التي يواجهها إنسان العصر الحديث الا أنه في النهاية يعود الحديث حول هذا الضمير الخفي المدهش الذي عندما يتيقظ فإنه يوقظ معه كافة مبادىء الخير و الإنسانية والجمال.