في سياحة فكرية برؤي عصرية علي منصة المساء والجمهورية أون ،ومع إحدي الإبداعات الفكرية للباحث د.محمد مبروك أبو زيد نعرض في هذه السطور قراءة في كتابه
“الفيزياء البشرية.. عالم كبير تحركه تفاصيل دقيقة وقوانين مفقودة .. هل يتخطى العقل البشري عالم الفيزياء بإرادته الحرة؟!
الكتاب صدر عن دار كتبنا للنشر.
إن دنيا العقل عالمٌ كبيرٌ تُحركه تفاصيلٌ دقيقة.. وتشكل هذه الرؤية نظرية جديدة عن العقل يطرحها الباحث ويكشف عن ملامحها خلال عبر مؤلفه الفكري المهم..
(فيزياء العقل البشري)
……………………….
يبدو أن الطريق الأمثل لفهم العالم الواسع من حولنا تبدأ بالبحث في دواخلنا أوّلاً، برغم أن الأمر برمته يفوق قدراتنا البشرية؛ فهناك شيءُ آخر في داخلنا أوسع من العالم المحيط بنا ولا يمكننا الوصول إليه وإدراك آلية عمله، برغم أننا نحمله في رؤوسنا طول الوقت.
وعلى الرغم من كل مظاهر التقنية والعلوم التي شملت كل شيء في عصرنا، والذي أصبح التقدميون تحديداً يعيشون فيه باقتناعٍ كامل أن العلم سيتوصل للحقيقة حتماً يوماً ما. ولكن ثمة أمور يبدو أن العلم والتقنية ما زالا عاجزين عن إيجاد تفسيرٍ حقيقي ومنطقي لها.. لكننا على يقينٍ من أننا سنجد إجابات شافية ومريحة للعقل .
إن الدماغ البشري معقد أكثر مما نملك من قدرات إدراكية، حيث يحتوي على خلايا عصبية تقدر بما تحتويه مجرة درب التبانة من نجوم، أي أن الدماغ كون أصغر يوازي الكون الأكبر الذي نحن جزء فيه.
وبما أن الدماغ محكوم بالقوى الأساسية مثل القوة الكهرومغناطيسية وفيزيائه العصبية والفسيولوجية؛ فعملية التفكير نفسها تخضع في النهاية للفيزياء، لكّنها فيزياء سريعة ومعقدة جداً. وربما كانت محاولات استكشاف العقل البشري، وهو الفضاء الداخلي في أنفسنا، تسير خطوة بخطوة بالتوازي مع محاولات استكشاف الفضاء الكوني من حولنا، برغم المسافات الشاسعة فيما بينهما، إلا أن كلا الفضاءين يعتمد البحث فيهما على الرصد والملاحظة عن بعد!
يطرح هذا الكتاب نظرية جديدة عن فيزياء العقل البشري وآلية عمل العقل.. كيف نفكر .. كيف نشعر.. كيف نفرح، وكيف نحزن وكيف نبدع أفكارنا .. هو عالمٌ كبيرٌ تُحركه تفاصيلٌ دقيقة.. وتشكل هذه الرؤية نظرية جديدة عن العقل، بداية من التكوين الفسيولوجي والفيزيائي للكائن البشري، تجاوزاً لنظرية التطور ونظرية الخلق والتمايز الحيوي، عبوراً إلى علاقة الإنسان بالطبيعة من حوله ووحدة التكوين الفيزيائي لكليهما وانسجامه معها من حيث التغيرات الفسيولوجية والتغيرات الطبيعية والفلكية، بما يعني أن الإنسان ما هو إلا كائنٌ فيزيائي، وخلية حية من خلايا النسيج الطبيعي لهذا الكون..
ومن هنا كان لزاماً علينا إعادة النظر في نظرية الخلق من جديد، ونتساءل إذا كان الله قد خلق الإنسان من عَلَقْ، فهل استمر نمو الإنسان وتطوره بذات البنية الفيزيائية لهذا العَلَقْ؟.
وهل استمرت أسرار الطبيعة وفيزياؤها الكامنة في الطين مع نمو الإنسان، أم تغيرت فيزياؤه وأصبح يعيش بقوانين جديدة تصارع قوانين الطبيعة التي نبت منها؟! بالرغم أن الحبل ما زال موصولا ولم ينقطع بعد.
ووفقاً للنظرية القائلة بأن الكائن الحي يُغيِّر سلوكه بصورة موسمية، فلو نظرنا إلى الكائن البشري على مدار العام سواء كان في حال الاضطرابات النفسية أو في حال الاستواء الاعتيادي، سنجده يغير سلوكياته وأفكاره ومشاعره بصورة دورية موسمية أيضاً تتناغم مع حركة الطبيعة من حوله، وتتناغم معها مراحل نموّه فسيولوجياً وسيكولوجياً.
إن العقل هو محصلة نشاط ذهني يقوم به الدماغ البشري، أو ما يعرف اصطلاحاً بالعمليات العقلية العليا، وتتنوَّع العمليات العقلية ما بين الفكر والأحاسيس والمشاعر المختلفة التي تجتاح الإنسان من حين لآخر فتشكل ميوله النفسية وأفكاره ومعتقداته ومشاعره وآلامه وشغفه بالحياة أو زهده فيها، أو هي مجموعة من العمليات الذهنية المعقدة التي يستطيع الدماغ البشري إنجازها بشكل متداخل مثل التفكير والإدراك والانتباه والتخيُّل والتذكر والتخاطر والأحاسيس والمشاعر والانفعالات المختلفة. وهي على ذلك تنحصر في عنصرين أساسيين هما الفكر والوجدان. وامتزاج هذين العنصرين يُنتج لنا مزيجاً خلّاقاً ومتنوعاً من الأنشطة الذهنية التي تشكل في مُجملها “العقل البشري”.
وتضع النظرية في بؤرة البحث إشكالية أبدية طالما بحثها العلماء والفلاسفة والأدباء والأطباء، والتي تدور حول ماهية الفكر والوجدان والألم نفسياً وبدنياً وماهية الإبداع والعبقرية.. أو ما معنى العبقرية من ناحية الفيزياء؟! .. هذا ما جعل الإنسان يتصوّر أن آلية عمل العقل البشري لا يمكن إخضاعها لمعايير الفيزياء الحتمية. لكن البحث والحوار العقلي جديرٌ باستقطاب الأدلة واجتياز تلك المرحلة وإثبات الطبيعة الإنسانية بما يمكن معه تفسير الوجود الإنساني باعتباره كائنٌ فيزيائي وفقاً لقوانين الطبيعة، خاصة عندما يبرز البحث نتائج مثيرة أخرى.