مع نهاية شهر ديسمبر وتزامن ذلك مع مرور ثلاثة أشهر تقريبا من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.. تطرح “المساء” في هذا الملف مقارنة موضوعية ومقاربة حقيقية لموجة المقاطعة التي دشنتها كيانات شعبية حقيقية وأخرى علي مواقع التواصل الاجتماعي للمنتجات والعلامات التجارية للدول التي تدعم الكيان الصهيوني.
أثارت حملات المقاطعة جدلا حول من المتضرر ومن المستفيد من مقاطعة شركات عالمية، تلك الشركات أم اقتصادات البلدان التي تتم فيها المقاطعة؟
الغرف التجارية : نقف مع الأشقاء في غزة ونناشد المواطنين عدم الانسياق وراء دعوات المقاطعة للكيانات المصرية
يناشد الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أبناء مصر الاوفياء بعدم الانسياق خلف تلك الدعوات لمقاطعة شركات مصرية تحمل علامة تجارية اجنبية لما فيه ضرر على الاستثمار والاقتصاد المصرى والأهم على مرتبات عشرات الألاف من أبناء مصر من العاملين بتلك الشركات.
قال أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية أنه بلا شك يقف مع الاشقاء في غزه، ويشارك مع منتسبيه واتحادات الغرف العربية في توفير المعونات اللازمة، لكن يجب عليه ان بوضح ان تلك الشركات التي تم الدعوة لمقاطعتها، تعمل بنظام الفرانشايز، أي أن الشركة الام لا تملك أي من الفروع الموجودة في مختلف دول العالم ، ان فروعها في مصر يملكها مستثمرين مصريين، فهى شركات مساهمة مصرية، وتوظف عشرات الالاف من أبناء مصر، وتسدد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة، كما ان من يقوم بدعم جيش الاحتلال في غالبية الأحوال هو الوكيل في إسرائيل وليس الشركة الام، وبالطبع ليس الوكيل في مصر الذى لا زنب له بأي حال من الأحوال.
أضاف ان مثل تلك الحملات لن يكون لها أي تأثير على الشركات الام، لان مصر تشكل اقل من 1 في الالف من حجم الاعمال العالمية، ونصيب الشركة الام من الفرانشايز لا يتجاوز 5% من إيرادات الشركة المصرية، وبالتالي فالأثر على الشركة الام لا يذكر، ولكن الأثر سيكون فقط على المستثمر المصرى والعمالة المصرية.
غرفة المنشآت السياحية: حملة مقاطعة المطاعم العالمية المصرية تضر المصريين
تماشيا مع ذلك وجهت غرفة المنشآت والمطاعم السياحية، التحية إلى الشعب الفلسطينى لصموده فى مواجهة قوات الإحتلال الإسرائيلى، وأكدت دعمها الكامل للقضية الفلسطينية وتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كافة الأراضى المحتلة، وحق الشعب الفلسطينى دون غيره فى تقرير مصيره.
أعلنت الغرفة تضامنها مع الشعب الفلسطينى وكذلك تأييدها ودعمها للموقف المصرى تجاه الأحداث الجارية بالأراضى الفلسطينية والحرب من قبل قوات الإحتلال الإسرائيلى الغاشم على المواطنين الفلسطينيين العزل الأبرياء بغزة، وأهمية وضرورة العمل على التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام، والتأكيد على أن “أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته”.
ودعت الغرفة الشعب المصرى لعدم الإنسياق وراء الدعاوى الرامية لمقاطعة المطاعم المصرية التى تحمل أسماء أجنبية بدواعى تقديمها دعم لقوات الإحتلال الإسرائيلى ،والتى تستهدف إلحاق الضرر بهذه المطاعم، معربة عن إنزاعجها من هذه الحملة التى تكون أضرارها بالغة على المصريين العاملين بهذه المطاعم وحجم الاستثمارات المصرية والعربية التى تم ضخها لإنشائها وإقامتها.
وأكدت الغرفة أن هذه المطاعم ذات العلامات التجارية العالمية داخل مصر هى إستثمارات مصرية أو عربية خالصة وبنسبة تصل إلى 100%، وتساهم من خلال نشاطها وفروعها فى الحد والتخفيف من إرتفاع نسب البطالة بالمجتمع المصرى، لكونها تحتضن عمالة مصرية كبيرة فى كافة خطوط إنتاجها وتوزيعها .
وأوضحت الغرفة أن هذه الكيانات الإقتصادية المصرية أو العربية العاملة فى مجال المطاعم الحاملة لأسماء تجارية عالمية، لها دور ريادى كبير بإسهامها المتميز فى العديد من المبادرات والمشروعات التنموية الإجتماعية المصرية، وإنها أطلقت العديد من المبادرات فى هذا النوع ومنها شراكات فى مجال الإرتقاء بالمناطق المحرومة من الخدمات، أو فى مجال التعليم والتدريب السياحى وغيرها من المبادرات الأخرى الرامية للإرتقاء بمستوى المعيشة وخدمة المجتمع المصرى .
وأشارت غرفة المطاعم، إلى أن دور الشركة العالمية ينطوى لهذه الإستثمارات المصرية أو العربية على السماح فقط لها بإستخدام العلامة التجارية محلياً وإمدادها بالخبرات وإلتزامها بكافة المعايير والإشتراطات لتشغيل هذه المطاعم وفقاً لقواعدها المعمول بها فى جميع أنحاء العالم لتقديم أفضل خدمة لعملائها.
وقالت الغرفة أن هذه المطاعم المصرية أو العربية لا علاقة لها بما يقوم به وكلاء آخرون، ولا تمثلها، وإنها تبتعد تماماً عن الأمور والمجريات السياسية وتأكيدها على المضى قدماُ فى رسالتها الريادية التنموية والإجتماعية داخل مصر، وسعيها لفتح العديد من الفروع الجديدة لإستقطاب الكثير من العمالة المصرية، مشيرة إلى إنه فى حالة الإستمرار فى المقاطعة سيلحق الضرر بالشركة المصرية أو العربية التى تضطر آسفة لوقف نزيف الخسائر من جراء هذه المقاطعة وغلق فروعها وتسريح عمالها تحت وطأة الأزمة الإقتصادية والخسائر التى تلحق بإستثماراتها.
يلفت رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية إلى أنه ينبغي التفرقة بين حالتين، الأولى هي مقاطعة فرع من فروع الشركة الأم، والثانية مقاطعة شركة مملوكة لمستثمر محلي حاصلة على امتياز أو حق استخدام العلامة التجارية للشركة الأم.
“في الحالة الأولى يكون الضرر الذي يلحق بالشركة الأم كبيرا للغاية، لأن أرباحها عبارة عن مجموع أرباح كافة فروعها، فإذا خسرت بعض الفروع، فإن الشركة الأم تتعرض للخسارة. أما الحالة الثانية فتمثل إشكالية، لأن الشركة الحاصلة على حق استخدام العلامة التجارية عادة ما تدفع مبلغا محددا من المال للشركة الأم التي لا تتأثر بالخسارة، بينما يتأثر بها المستثمر المحلي الذي يوظف عمالة ويشتري منتجات محلية لتشغيل مشروعه. المقاطعة في هذه الحالة تضر بالمستثمر والعمال والأسر التي يعولونها، ومن ثم يتضرر الاقتصاد الوطني”.
مؤيدو المقاطعة يرون أنها ستدعم وتشجع المنتجات والشركات المحلية. على سبيل المثال، أعلنت شركة إنتاج مشروبات غازية مصرية لم تكن لها شعبية عريضة في السابق عن توسيع نطاق توزيع منتجاتها لتشمل المزيد من محافظات البلاد، كما ذكرت في منشور على فيسبوك مؤخرا أنها تلقت أكثر من 15000 سيرة ذاتية، وهو عدد أكبر بكثير مما كانت تتوقع، بعد إعلانها عن وظائف شاغرة بسبب رواج منتجاتها وسط دعوات مقاطعة المشروبات الغازية الأمريكية.
يقول عبده إنه “من الممكن أن يستفيد المستثمر المحلي، فقط إذا طور منتجاته وخدماته وخفض هامش ربحه لاكتساب ثقة المستهلك، بدلا من استغلال الفرصة لرفع الأسعار ومحاولة احتكار السوق”
منوها إلى أن “المقاطعة من الممكن أن تدعم وتشجع منتجات محلية إذا كانت تلك المنتجات منافسة ولها نفس الجودة، ما سيؤدي إلى نموها وبالتالي توظيف أيد عاملة جديدة”.
ويرى آخرون أن المقاطعة كشفت عيوب بعض المنتجات الوطنية في البلدان العربية، وأظهرت غياب البدائل في بعض الأحيان.
وقد اختلف خبراء الاقتصاد حول التأثير بعيد المدى المحتمل للمقاطعة على الاستثمارات الأجنبية في البلدان التي تشهد حركة مقاطعة قوية.
استبعد رشاد عبده أن يكون للمقاطعة أثر سلبي على الاستثمارات الأجنبية المستقبلية، “ولا سيما إذا كانت السوق ضخمة مثل السوق المصرية التي تضم 100 مليون مستهلك، والمنطقة العربية بأسرها التي تحتوي على أكثر من 400 مليون مستهلك. فمن مصلحة المستثمرين الأجانب الاحتفاظ بتلك الأسواق، لذلك رأينا بيانات أصدرتها بعض الشركات المستهدفة تنفي فيها دعمها لإسرائيل أو تقول إنها تدعم القضية الفلسطينية”.
آراء داعمة للمقاطعة بشدة
خبير تحول رقمي: مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل مسألة أمن قومي مصري
أكد الدكتور إسلام نصرالله خبير التحول الرقمي وعضو جمعية ريادة الأعمال، أن مقاطعة الشركات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية التي تدعم إسرائيل هي أمن قومي مصري وعربي ويجب أن تستمر للأبد وليس لفترة محددة.
وقال نصرالله، إن تلك الشركات تدعم الكيان بشكل مباشر وتدعم تطوير منظومة الأسلحة للجيش الإسرائيلي كما أنها تمثل الدعم سواء المالي أو العسكري الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل وبالتالى دعمك لتلك الشركات بشراء منتجاتها هو دعم لجيش الاحتلال الإسرائيلي كما أنه يؤثر بالسلب على الأمن القومي المصري.
وأضاف نصرالله، أن خطة إسرائيل باتت واضحة وهي تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو ما لن نسمح به، داعياً إلى التكاتف وتوحيد الجبهة الداخلية خلف جيشنا العظيم وقيادتنا السياسية لتدمير مخطط العدو الصهيوني والدول الداعمة له، ودعم الصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير البدائل للسلع الاجنبية التى تدعم دولة الإحتلال.
وأوضح نصرالله، إن مقاطعة الشركات الأمريكية والغربية الداعمة لإسرائيل ومنتجاتها سيعطى دفعة كبيرة للصناعة المصرية حيث أنه سيوجد بدائل محلية للمستهلك ويطرح أفكار وفرص لمشروعات جديدة لسد النقص الناتج عن مقاطعة تلك المنتجات وهو ما سيدعم توسع الشركات المحلية وتطوير الصناعة ويدعم المنتج المحلي وبالتالي أنت تدعم بلدك وجيشك أمام جيش العدو الصهيوني.
أكد عضو جمعية ريادة الأعمال أن المقاطعة واجب على كل مواطن مصر مسلم كان أو مسيحي فهي لا تتعلق بالدين ولكن بالمواطنة والحفاظ على الأمن القومي المصري.
ودعا لعدم القلق بشأن العمالة المصرية في الشركات الداعمة للكيانات الأجنبية ، مؤكداً أن استبدالها بالمنتجات المحلية سيدعم الاستثمار في تلك الشركات والمنتجات المصرية وهو ما سيخلق المزيد من فرص العمل الحقيقية في شركات محلية تخدم وتدعم الاقتصاد المصري.
وكانت تزايدت حملات المقاطعة المصرية خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و موقع «إكس» (تويتر سابقاً)، ونشرت بعض صفحات التواصل قوائم لمنتجات قالت إنها «تابعة لشركات تدعم إسرائيل»، وعرضت الصفحات قوائم بمنتجات وبدائل في السوق المحلية، ودعت لتفعيل «هاشتاغ» المقاطعة من أجل دعم الفلسطينين في غزة.
ويذكر أن أن حجم صادرات أمريكا للدول العربية والإسلامية بلغ نحو 150 مليار دولار، وأن حجم التبادل التجارى بين الولايات المتحدة والدولة العربية والإسلامية زاد عن 300 مليار دولار خلال العام 2022، كما أن الصادرات الأوروبية إلى الدول العربية تعادل 3.7% من الصادرات الأوروبية الكلية وربع صادرات إسرائيل العسكرية اقتنتها الدول العربية بحوالي ثلاثة مليارات دولار.
سامح : التأثير على العمالة المصرية جراء المقاطعة دعايات كاذبة
يقول محمد سامح المحلل الاقتصادي ان هناك نغمة منتشرة في الاوساط الصناعية والتجارية بان المقاطعة ستضر العمالة المصرية في قوت رزقها، مشيرا إلى تلك النظرة غير صحيحة لان الشعوب عندما تقاطع فإن انفاقها سيتجه يالضرورة الي بدائل اخري بلا شك وفي هذه الحالة فان مصانع وخطوط انتاج مصرية ستعود الدوران بقوة بعد ان استاثرت الماركات الاجنبية علي فرصها بالسوق لاسباب تسويقية تارة واخري لها علاقة بجودة الإنتاج التي ستعمل الأسماء المحلية على الإهتمام بها حتما.
أوضح سامح ان دورة انفاق راس المال لن تتاثر لان الفلوس دي سيتم توجيهها لقنوات أخوي للصرف والتي بدورها ستخلق فرص عمل محلية تماما بدون هوامش ربح للأسماء الاجنبية تدعم بها سياسات لا ترض قناعات الشعوب.
11 مليار دولار خسائر شركة ستاربكس
قدرت تقارير نشرتها شبكات عالمية مثل بلومبيرج حجم خسائر شركة ستاربكس عند 11 مليار دولار ما يمثل 9.4% انخفاضًا ، بسبب تداعيات المقاطعة منذ حرب إسرائيل على غزة نتيجة موجة عالمية لمقاطعة هذا النموذج الذي يضر أصحابه علي دعم الكيان.
كما قامت شركة ستاربكس برفع دعوى قضائية لمقاضاة العاملين الداعمين للقضية الفلسطينية، مما أثار الجدل حولها وتسبب في رفض البعض لها .
كما أشار موقع “إيكونوميك تايمز” بتراجع أسهم الشركة منذ 16 نوفمبر، بنسبة 8.96% وهو ما يمثل خسارة هائلة بلغت 11 مليار دولار.
في حين يتم تداول الشركة حاليا عند حوالي 95.80 دولارا للسهم، حيث كانت ذروة الشركة بالغة 115 دولار.
حيث شهدت ستاربكس انخفاضاً في الأسهم لمدة 12 جلسة متتالية لأول مرة في تاريخها.
مبيعات ماكدونالدز مصر تتراجع بمقدار الثلثين.. والشركة تتبرع بـ20 مليون جنيه لصالح فلسطين
قال موظف في مكاتب ماكدونالدز الرئيسية في مصر طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة رويترز، إن مبيعات الفرع في مصر في أكتوبر ونوفمبر انخفضت بنسبة 70% على الأقل بمقدار يزيد عن الثلثين تقريبا وذلك مقارنة بنفس الشهرين من العام الماضي.
أعلنت شركة ماكدونالدز مصر عبر صفحاتها الرسمية على السوشيال ميديا تأيدها الكامل للشعب الفلسطيني وعدم انحيازها أو تأييدها لأي جهة أخرى في بلاد أخرى، والتبرع بمبلغ 20 مليون جنيه مصري لصالح الأسر الفلسطينية المتضررة.
يذكر أن شركة ماكدونالدز قد تعرضت لحملة هجوم شديد على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تأيدها للاحتلال الإسرائيلي وأرسال المساعدات والوجبات إليهم كنوع من الدعم وهو ما أثار غضب الشعوب العربية والمؤيدين للقضية الفليسطينية وتم مقاطعتهم حتى أن الشركة خسرت كثيرا في الأيام الماضية بسبب تلك المقاطعة وكان الشرط الوحيد لرواد التواصل الاجتماعي للرجوع عن تلك المقاطعة هو تبرع الشركة بجزء من أرباحهم لصالح فلسطين.
وأعربت شركة مانفودز ماكدونالدز مصر عن تعاطفها الإنساني مع أحوال الأسر الفلسطينية المتضررة وتعلن عن تبرعها بمبلغ 20 مليون جنية مصري للمشاركة في مبادرات الإغاثة تماشيا مع جهود الحكومة المصرية لتخفيف الأعباء عنهم.
وتابعت: والتزاما من شركة ماكدونالدز مصر بدورها التنموي، سيتم توجيه قيمة التبرعات إلى توزيع المستلزمات الطبيعة اللازمة من خلال مؤسسة مصر الخير فيما سيتولى بنك الطعام المصري توفير المواد الغذائية.
وأضافت ماكدونالدز مصر أنها شركة مصرية 100 % حرصت على مدار ما يقرب من 30 عاما على تقديم أفضل الخدمات لعملائها والمساهمة في تنمية المجتمع والاقتصاد المصري واختتمت الشركة بتأكيد أن مسؤوليتها تنحصر داخل حدود مصر ولا علاقة لها مطلقا بما يقوم به وكلاء من بلاد أخرى.
مدحت نافع :الحل يكمن في استقلال الاقتصاد من التبعية للخارج
يقول د. مدحت نافع استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية ان الحل يكمن في المسار الصعب الطويل والمجهد، الرامى إلى استقلال الاقتصاد من التبعية للخارج التى تتمثل فى الاستيراد والاقتراض، مشيراً إلى أن هذا لا يتم عبر حملات للانفصال عن العالم، وتعطيش السوق من تدفقات رءوس الأموال الأجنبية بصورة صادمة، ولا بمعاقبة (أو توهم معاقبة) شعوب كاملة بأخطاء قياداتها، على الرغم من إبداء تلك الشعوب لدرجة من التعاطف مع القضية الفلسطينية، تفوق الكثير من ديار الإسلام.. ولكن استقلال ومتانة الاقتصاد تتم باستراتيچيات وخطط ومثابرة وعزم أكيد.
أضاف نافع انه فيما يتعلق بالبضائع الأجنبية : هناك بضائع مستوردة تامة الصنع تلتهم جانبا كبيرا من الدخل القومى وتمتاز بكونها ترفيها يمكن الاستغناء عنه تماما، أو لها بديل محلى يؤدى ذات الغرض ولو بمستوى إشباع أقل.. هذه الفئة من البضائع يفضل مقاطعتها، بغرض عدم إهدار العملة الصعبة، والحد من العجز الخارجى فى ميزان التجارة، وتقليل الحاجة إلى الاقتراض لسد ذلك العجز
أشار إلى أن المقاطعة هنا تحقق الغاية الاقتصادية المثلى من ناحية، وتلتقى وفوراتها الإيجابية مع أى أغراض أخرى ذات طبيعة عاطفية أو إنسانية.
أكد أن هناك بضائع نصف مصنعة أو مدخلات إنتاج مستوردة يتم تصنيعها محليا، وتكتسب قيمة مضافة، وتساعد فى تشغيل العمالة ورءوس الأموال واستغلال الأراضى بصورة اقتصادية، تساهم فى إنعاش الاقتصاد الوطنى كله.. تلك الفئة لا يمكن مقاطعتها حتى وإن زادت نسبتها كمكون أجنبى مستورد (من دولة مغضوب عليها) فى منتج محلى بعلامة تجارية وطنية مائة فى المائة! وهذه الفئة لن يستطيع المستهلك وهذه الفئة لن يستطيع المستهلك العادى تمييزها.
وإلى هذه الفئة الأخيرة يمكن إضافة الماكينات والمعدات وخطوط الإنتاج التى تستخدم فى الإنتاج المحلى. تلك الآلات أيضا لا يمكن اقتفاء منشأها على نحو دقيق أو اقتفاء المستفيد النهائى من تسويقها. قد تكون خطوط إنتاج «صينية» مثلا، لكن الشركة يمتلكها مستثمرون أوروبيون أو أمريكيون بنسبة كبيرة.. أو يحصل حاملو تلك الجنسيات بطريقة ما على جانب من أرباح هذه الشركة، فى صورة مبيعات أو خدمات للجانب الصينى… هل لاحظت التشابك؟
تخيل معى أن الدول التى قررت أنت مقاطعتها فى سلع بعينها أمكنك الاستغناء عنها، اتخذت قرارا بمقاطعتك وعدم إمدادك بالسلع الرأسمالية المطلوبة فى التصنيع والتنمية، فكلما كان قرارك مؤلما للطرف الآخر (وهذا ما تصبو إليه بالتأكيد) كلما كان من المنطقى توقع رد فعل مضاد.
كذلك هناك منتجات تحمل علامة تجارية غربية، ولكنها تمثل استثمارا أجنبيا مباشرا فى مصر، أو وكالة عبر نظام «فرانشايز» لعلامة تجارية، لمسوق أو موزع أو مشغل محلى… هذه الفئة تعمل تعقيدات أكبر، نظرا لكونها تحقق منفعة اقتصادية كبيرة ومطلوبة لو أنها استثمارات أجنبية مباشرة، فى وقت انخفض فيه الادخار المحلى إلى ما دون ٦٪ بينما نحن فى حاجة إلى استثمارات لا تقل عن ١٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، لتحقيق معدل نمو اقتصادى مستدام فوق ٦٪ أو ٧٪ سنويا.. الاستثمار المباشر يعنى تدفقات رءوس أموال (غير ساخنة) تستقر فى الدولة، وتشغل العمالة، وتستخدم الموارد المحلية قدر المستطاع، لتخفيض تكاليفها، وتعيد استثمار جانب من أرباحها داخل البلد كلما كان مناخ الاستثمار مواتيا.. مقاطعة هذا الاستثمار هو بمثابة دعوة صريحة لإخراجه من البلاد.
أما مستأجرو العلامة التجارية، والذين يدفعون مقابلا لاستخدامها للشركات الأم.. فهؤلاء فى الغالب مواطنون مصريون، يعملون وفقا لنظم مصرية، ويساهمون فى حل أزمة البطالة، ويلبون جانبا من طلبات المستهلك المحلى من منتجات لا يمكن أن يجدها إلا لو تحمل مشقة وتكاليف السفر إلى الخارج… وبعيدا عن تفاصيل حجم ونسبة ما تحصل عليه الشركات الأم مقابل استخدام الاسم التجارى والعلامة، وبعيدا عن هيكل ملكية تلك الشركات الذى لا يخلو من العرب والمسلمين.. فإن الكائن الاقتصادى الرشيد، عليه أن يوازن بين حجم الضرر وحجم المكسب من أى قرار اقتصادى.. فلو أن الضرر المقصود تحقيقه عند الشركة الأم أقل كثيرا من ضرر الاقتصاد المحلى، فمن العبث إذن الإقدام على استخدام سلاح المقاطعة لإلحاق مزيد من الضرر بالسوق المحلية والاقتصاد المصرى المتأزم بالفعل، والمكبل بالديون الخارجية المستحقة للدائنين من الغرب والشرق.
ثانيا: فيما يتعلق بالمنتجات البديلة للبضائع والماكينات المستوردة.. تشجيع المنتج الوطنى مسألة مهمة ومفيدة، ولكن أنى لك أيها المقاطع تحديد أكثر المنتجات نفعا للاقتصاد من حيث القيمة المضافة والتشغيل وسداد الضرائب وتخفيض فاتورة الاستيراد.. إلى غير ذلك من مزايا؟ ماذا لو أن القيمة المضافة المحلية الوحيدة لهذا المنتج البديل هى ٥٪ فقط؟ ماذا لو أنه يملك علامة تجارية مصرية، لكنه حريص على شراء كل مستلزمات الإنتاج من دولة مدرجة فى قوائم المقاطعة؟ ماذا لو أن الجانب الأكبر من أرباحه يتم تحويله بانتظام لشراء عقارات فى الخارج أو الحصول على جنسية أوروبية؟!
لا أقول هذا للطعن فى المنتج الوطنى، فمن يعرفنى جيدا يعرف تقديرى وحماسى للصناعة الوطنية. لكن حملات المقاطعة ذات الصيغة الشعبوية تخلو من حسابات المكسب والخسارة والمنطق الاقتصادى، فوجب إثارة تلك الأسئلة لاستفزاز الحس النقدى لدى المستهلك، لاتخاذ قراره بدرجة أقل من اليقين، ولعدم تحميل هذا القرار بأكثر مما يحتمل، ولعدم تسويغ طعنه فى قرارات واختيارات غير المقاطعين.
حركة BDS اكبر مبادرة عالمية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية
مع اشتداد وطأة الحرب في قطاع غزة وسقوط المزيد من الضحايا بشكل يومي برزت إلى السطح دعوات لمقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية والشركات العالمية التي يُزعم أنها تدعم جيش إسرائيل أو حكومتها.
حديث المقاطعة ليس بالجديد في العالمين العربي والإسلامي، إذ دار كثير من النقاش منذ سنوات حول جدوى الأمر من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
في بعض الأحيان تكون أسباب الدعوة إلى المقاطعة سياسية، وفي أحيان أخرى تكون دينية.
على سبيل المثال، أثناء الغزو الأمريكي للعراق قبل نحو عشرين عاما، كانت هناك حملة مقاطعة للمنتجات الأمريكية في البلدان العربية. وكان آخر حملات المقاطعة الشعبية قبل حرب غزة تلك التي أيدتها مؤسسات دينية كالأزهر تدعو إلى مقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية ردا على سماح الدولتين بحرق المصحف، وهو تصرف اعتبره الأزهر جزءا من “حملات عنصرية على الإسلام والمسلمين”.
“بي دي إس” BDS
دعوات مقاطعة الشركات العالمية التي يُزعم أنها تساند إسرائيل في حروبها لها جذور فيما يعرف باسم “حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” المعروفة اختصارا بـ بي دي إس، والتي أطلقها في عام 2005 نحو 170 هيئة من هيئات المجتمع المدني الفلسطيني بغرض “ممارسة الضغط على إسرائيل بطرق غير عنيفة حتى تلتزم بالقانون الدولي من خلال إنهاء احتلالها لكافة الأراضي العربية، منح الفلسطينيين-العرب الذين يعيشون داخل دولة إسرائيل حقوقا متساوية واحترام حقوقهم الأساسية، واحترام وحماية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194″، بحسب ما جاء على موقع الحملة.