بقلم ✍️ د.خلود محمود
( مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
كإعلامين أكاديمين أو ممارسين للمهنة نعي جيداً أن كثرة التعرض لمحتوي معين من قبل الجماهير يحدث استمالات عقلية لذلك المحتوي بالتأييد حتي وأن كان الجمهور في بداية الأمر يرفض ذلك المحتوي .
تقوم الاستمالة هنا بتعمد مخاطبة عقل الفرد إزاء موضوع معين بمجموعة من النقاط كالاستشهاد بالمعلومات أو بناء النتائج أو عرض وجهات النظر المتعددة المؤيدة لذلك الموضوع حتي وأن كانت تلك المهمة شاقة علي الإعلامين قديماً فأنها وبفضل التكنولوجيا وتغير طبيعة الجماهير أصبحت من أسهل ما يمكن الآن.
وأنتج التقدم الإعلامي نوعا جديدا مشتقا من البرامج التلفزيونية أو الإذاعية يستهدف عقل المستمع ولكنه ليس بالشكل المعتاد للبرامج بل أكثر سهولة وأسرع انتشار أنه “البودكاست” هو محتوي صوتي متوفر على الإنترنت، يختلف عن الراديو والتلفزيون فيمكنك سماعه في أي وقت وليس عند البث المباشر فقط، ويمكن للبودكاست أن يكون في صيغة صوتية أو فيديو يِمكن الفرد من الإستماع إليه عندما يقود السيارة أو يتنقل في المواصلات أو أثناء النشاطات المختلفة مثل العمل أو ممارسة الرياضة ، فتم صناعة البودكاست ليناسب الحياة المليئة بالأنشطة، فيمكن تحميل الحلقات أولا بأول لسماعها عندما تكون غير متصل بالإنترنت.
وتنشر تلك الحلقات من خلال مواقع مختلفة تقوم بنشرها متتالية أو على فترات معينة، يقدم هذه الحلقات شخص أو شخصان، أو يقومون بدعوة ضيف في كل حلقة للنقاش في موضوع محدد ومشاركة أفكارهم وهذه الأفكار قد تكون أي شئ بدءا من السياسة والاجتماعيات ،الثقافة ، الرياضة ،الفن ،الدين وغيرها.
وأصبح الجمهور يتهافت للاستماع لتلك النوعيات من البرامج بل ويستمد معلوماته منها ليس ذلك فقط بل أصبحت قاعدة كبيرة من أفراد المجتمع تلجأ إليه كأول الحلول للمعرفة حول شئ ما وتأخد تلك المعلومات كمسلمات حتي وأن كان مروجيها أشخاص غير أهل للثقة فسهولة المحتوي وتوفره والبساطة في التقديم والعرض جعل منه سلاحا له حدين، الحد الأول: الإفادة الحقيقة للمجتمع ولكن من قبل المتخصصين ذوي الخبرة والثقافة والعلم في المجالات المختلفة، والحد الأخر: الضرر وتشوية الفكر وتضليل العقل من قبل أفراد تروج لأفكارهم بإستمالات عقلية وعاطفية مخاطبة جمهور أصبح يتلقي المعلومة دون أن يتحري من صحتها يأخدها كمسلمات دون نقد أو تفكير وفي كثير من الأحيان كمصدر أوحد للمعلومات.
والحقيقة أن الانتشار المرعب للبودكاست يمثل ظاهرة تحمل في طياتها جزءا من الخطر علي عقول الشباب والمراهقين، الذين ترسخت لديهم عقيدة أنه المصدر الأول والأسهل بل وأحياناً الأوحد للمعرفة دون النظر لمن مقدمه أو حقيقة مايقدمه.
وهو ما أريد تسليط الضوء عليه في هذا المقال أن الثقافة السمعية المكتسبة من البرامج ليست آفة أو ضرر أنما الضرر الحقيقي أن تكون تلك الثقافة مأخوذة من أفراد ليسوا أهل لها وهؤلاء ما أكثرهم في عالم “البودكاست” وبمذهب أخر ليس كل ما انتشر وروج لها صحيح خاصة في ظل عالم الانترنت الذي يدعم الترويج المجاني لتلك المحتويات ويكتسب مقدميها شهرة يأخذها الجمهور كسبب للثقة في محتواهم.
وقد انقسم الجماهير صنفين وقسمتهم تلك المحتويات المستحدثة إلي جيلين من الناس جيل القراءة وجيل المرئي والمسموع ، فأما جيل القراءة فهم من يستخدم القراءة للبحث عن المعلومة، فتجدهم مثقفين مملوئين بالمعلومات أنيقي الحديث، يتفننون في اختيار الكلمات وفي صياغة المعاني.
أما جيل المرئي والمسموع؛ فهم من يجلسون أمام وسائل الإعلام المختلفة والانترنت يستقون المعلومات جاهزة من هنا وهناك، وربما البعض سُلبت منه ملكة التفكير وأكتفي أن يأخد معلوماته من المشاهير لا يدري أن الشهرة ليست سبب للثقة في الفرد فكم من مشهورين بعقول هشه وثقافة فارغة!.