»»
من محاسن الفعاليات والقمم العربية ،إيقاظ الشعور القومي وإحياء طموحات التكاتف والتعاون بين أبناء الوطن العربي.
وقد كشفت الأزمات الدولية المتلاحقة مدي حاجة دول العرب لإعادة الحسابات الاستراتيجية من جديد ،اتقاء لشرور التداعيات المؤلمة للحروب والنزاعات ،والتحصن من مخططات إعادة تشكيل العالم وحجز مقعد يليق بها في خريطة العالم الجديد.
ومع أجواء التوحد العربي ،وبين الفينة والأخري تقفز إلي أفق الأحداث الأمنيات العربية طموحات تحرير الاقتصاد من هيمنة الدولار ،ومن قيود النظم الاقتصادية العقيمة ،التي تحول دون تحقيق قفزات تنموية هائلة تصحح المسار ،وتحقق المعادلة الصعبة ..تنمية مستدامة وفاعلة تشعر بآثارها الشعوب العربية ،بلا قيود أو شروط!.
ومن الأفكار التي تتردد فكرة تدشين عملة عربية موحدة يحتويها تكتل ضخم وكيان عربي إقتصادي كبير ، علي غرار ما تقوم به دول البريكس وتطمح إليه بعض دول القارة السمراء ودول أمريكا اللاتينية والجنوبية.
ولا ريب أن المحرك الأساسي لهذا التوجه وتلك القناعة بهذه الأفكار ،هو رغبة التحرر الجارفة من هيمنة الدولار الأمريكي والذي يتحكم في الغالبية العظمى من عمليات التداول النقدي ،وحركة التجارة الدولية،ولكن الأزمات المتلاحقة جعلت دول العالم علي يقين من ضرورة تغيير هذه المنظومة الأممية والخروج التدريجي من أغلالها وقيودها.
ووفقا لوكالة بلومبرج فإن المعاملات المالية الداخلية بين روسيا والصين تحولت 60% منها إلى الروبل واليوان، وهو ما يؤكد أن الفكرة ممكنة وبالإمكات تطبيقها خلال فترة زمنية وجيزة ، فبعد مرور عام على انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نجحت روسيا والصين في تغيير تجاراتهما الدولية وأصبحت 60 % منهم بالعملات المحلية،
كما تورادت أنباء عن رغبة تركيا أن يكون التبادل التجاري بينها وبين القاهره بالعملة المحلية “الجنيه المصري والليرة التركية”، وبناء عليه فمصر والدول العربية تستطيع أن تفعل ذلك.
ولن يقف العالم طويلا مكتوف الأيدي حيال ما تتخذه الولايات المتحدة من إجراءات لحماية اقتصادها واستمرار تضرر الدول الناشئة والنامية بسبب إفراط البنك الفيدرالي الأمريكي في رفع سعر الفائدة ،فمن أجل تخفيض التضخم الداخلي لديها اجتذبت الدولار من العالم أجمع، وصعبت فرص التمويل على كل الدول الناشئة، مما أدى إلى إصابة العديد من الدول بالأزمات الداخلية المتلاحقة وتزايد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار.
وبدأت التحركات الأممية الجادة للتحرر من اتفاقية بريتون المكبلة، والتي أعطت للدولار هذه الحصانة ،بل وتجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية البنود الصريحة للاتفاقية بما حقق مصالحها وأضر بالآخرين.
وعلي المستوي العربي ،تقفز التساؤلات ..هل تستطيع الدول العربية إنشاء بنك موحد وإطلاق عملة عربية.. وما هي ملامح المستقبل .. وهل من الممكن التمهيد لهذه الخطو بالتعامل بالعملات المحلية وتقليل نسب الاعتماد علي الدولار؟.
الاجابات الشافية ستجيب عنها الأيام ،رغم صعوبة الظروف الراهنة ومراحل التنفيذ الذي سيستغرق لا محالة وقتا طويلا وإجراءات متعددة يسبقها تعهدات واتفاقيات وشراكات،تدعمها إرادات قوية لتجاوز كافة الصعاب.
وكما تسعى العديد من الدول العربية للانضمام إلى مجموعة العشرين أو مجموعة بريكس ،او الانضمام لنظام الدفع الروسي الصيني، أو البنك الآسيوي للتمويل،أو غيرها من التجمعات العالمية، فلماذا لا يخلقون مجموعتهم الاستراتيجة الخاصة ؟.
بعض خبراء الاقتصاد الدولي، يؤكدون ضرورة البدء في إنشاء بنك عربي موحد، تمهيدا لتدشين العملة العربية الموحدة يسبقه الإعلان عن إنشاء اتحاد اقتصادي عربي، مع تنحية أية خلافات سياسية وإلغاء القيود اوالرسوم الجمركية ، والخروج من تعهدات “البترودولار” مع تنحية الخلافات السياسية، وأن تكون المصالح الاقتصادية البراجماتية هي التي تحكم الأمر مع التحول من الاقتصاد الريعي إلي الاقتصاد الانتاجي.
أتصور أن الدول العربية تمتلك مقومات اتخاذ قرارات فاعلة وبإمكانها تدشين هذا التكتل المالي والاقتصادي،بما تمتلكه من مؤشرات وثروات طبيعية وموارد وجدارات وكوادر بشرية تدعم بقوة هذه الرؤية الاستراتيجية.
هذا علاوة علي توافر البني التحتية والبيئة الاقتصاد المتنوعة والأقاليم الزراعية متنوعة الإنتاج،علاوة علي موقعها الجغرافي الذي يتوسط دول العالم شرقا وغربا.
إن حلم التحرر العربي من حبائل الهيمنة الأممية والتبعية للشرق أو للغرب، ليس صعب المنال ،رغم ما يبدو في الواقع من تحديات ومعوقات ومشروعات مناهضة قد تقف حائلا أمام نضج هذا المشروع العربي لكن معطيات الواقع تشي بما لا يدع مجالا للشك أن هناك روحا جديدة تدب في اوصال وشرايين دول العرب، تعزز إجراء مصالحات شاملة ،وإزالة كافة العوائق والعوالق وإزالة الحواجز المعنوية والمادية ،مع ظهور بوادر العزيمة والإرادة الصادقة لهذا التحول الاستراتيجي الواعد.