»»
الزيادة السكانية..نعمة أم نقمة.. سؤال يتطلب إجابات موضوعية مستقاه من دنيا الواقع والممارسات، وفقا لخصائص التركيبة الديمجرافية أو الهيكل السكاني ،وطبيعة الموارد البشرية ومدي جداراتها ومدي توافر الفئات العمرية المنتجة القادرة علي الإبداع والعطاء .
ووفقا لمؤشرات الضرورة ،أوالخلل الديمجرافي تتباين وتتأرجح رؤي دول العالم حول تقييم مضار وفوائد الزيادة السكانية أو ترشيد وتنظيم معدلات الخصوبة والإنجاب.
وفي هذا السياق يتم دراسة الهيكل السكاني للمجتمعات بطريقة إجمالية أو بطريقة مفصلة، ويتم تفكيك تركيبة المجتمع حسب صفة أو أكثر من الصفات كالجنس، العمر، الحالة العائلية، الحالة الاقتصادية والاجتماعية، المستوى التعليمي..الخ.
وللتركيبة السكان أو بناء السكان مدلول واسع، يشمل عدة أبعاد وخصائص، منها التركيب الطبيعي، التركيب الاجتماعي والاقتصادي، التركيب الريفي والحضري وغيره من الخصائص الأخرى، التي تميز المجتمعات السكانية عن بعضها البعض والمجتمع نفسه بين فترة وأخرى.
والبناء الطبيعي من أهم العوامل المؤثرة في الظواهر الديموجرافية والاقتصادية، إذ أن توزيع السكان حسب فئات العمر والجنس يحدد نموهم، فهو يؤثر من ناحية علي معدل المواليد والوفيات، وبالتالي على الخصوبة والزيادة الطبيعية، ومن ناحية أخرى يؤثر على حركة السكان الداخلية، وبالتالي على توزيع السكان ونموهم، وللتركيب العمري دور كبير وتأثير مباشر على القوة الإنتاجية للمجتمع ،ومدي الفاعلية الاقتصادية.
ولايختلف اثنان علي أن الثروة السكانية البشرية لو حسن استغلالها وتوظيفها من الممكن أن تصنع حضارة عصرية متميزة، تساند جهود البناء والتعمير ،وليست معولا للهدم والإستنزاف.
وقد أثبتت التجربة الصينية صدق هذه النظرية،فقد تم استثمار الموارد البشرية الهائلة وأعداد السكان، والتي تجاوز المليار ونصف نسمة كثروة بشرية قادتها إلي مصاف الدول الصناعية العملاقة ، وأمست تناطح الكبار وتنافس بكل قوة علي مرتبة الصدارة والتحكم في حركة التجارة والاقتصاد العالمية.
لقد دشن أهل الصين ملايين المشروعات الصغيرة، وتعاملوا مع الأسر والمقاطعات كمجموعات منتجة متخصصة ، تم تدريبها وإعدادها لمهام انتاجية مبدعة، بدلا من تركها كطاقات مهدره ومستهلكة!.
وفي بلادنا أتصور أن الاقتصاد الشعبي الموازي “غير الرسمي” أصبح استثمارا فعالا وواسع المجال، وأمسي الأساس الصلب لتدشين تنمية إقتصادية وإجتماعية حقيقية، ولابد من التخطيط الإستراتيجي الواعي لدمج الثروة البشرية الهائلة في عجلة هذا الإقتصاد ،وخلق مجتمعات جديدة منتجة لا مستهلكة، تضيف ولا تهدر وتستنزف.
ويجب أن يكون من ضمن أولويات الدولة التخطيط لكيفية الإستفادة القصوي من هذه المقدرات، مع اتخاذ إجراءات لإعادة توزيع الكتل السكانية، والخروج تدريجيا من الوادي الضيق، مع الدعوة لتنظيم وضبط تزايد السكان ، وخاصة في المجتمعات الفقيرة ومحدودة الدخل.
والخلاصة أن الثروة البشرية نعمة لوحظيت بالرعاية والإهتمام والتخطيط والتدريب والإعداد،مع الإرادة الشعبية القوية،والنظر للمستقبل بعيون إستشرافية وترك عادات السلبية ،والتباكي علي فات من أطلال ،وبقايا اللبن المسكوب”!.
ومن الواجب أيضا إدراك وتصحيح السياسات وبعض صور الفساد، التي تسببت في إهدار المال العام وإلتهت حصاد وثمار التنمية ، فتحولت تلك الزيادة لنقمة جلبت الكثير من المآسي والإشكاليات.
ومع متغيرات العصر وتنامي الأزمات،تبقي الأفكار المبدعة والتدابير الذكية والحلول المبتكرة،التي تتجاوز أغلال الصندوق الجامد المعتاد، هي السبيل لصناعة الأمل وتجاوز المحن وكافة النوازل والنكبات.
ويبقي الإنسان هو صانع التنمية والنهوض ،وهو أسمي أهدافها وفي أرض الكنانة ومنذ قديم الأزل ، سيظل المصري،هو الطاقة والكنز ،صانع حضارة الأمس واليوم والغد.