»»
مابين الخوف والرجاء تتعلق قلوب أهل المعمورة مع تطلعات المستقبل بفرص النجاة وآمال العيش في سلام ،واتقاء شرور جحيم التغيرات المناخية المتصاعدة بكافة صورها المرعبة بعد أن تجاوزت معدلاتها الطبيعية المعتادة خلال السنوات الأخيرة ،بل وفاقت حدود تكهنات وتوقعات خبراء البيئة،ومراكز البحث العلمي.
كما تزايدت المخاوف والتوجسات والنظر للمستقبل بعيون سوداء ،بعد توارد تقارير تؤكد ضلوع أطراف وأجهزة مخابراتية في اللعب في “ملف المناخ” وتدشين معامل انحرفت عن أهدافها العلمية،
ومن أمثلتها ما طورها علماء أميركيون قبل عدة سنوات من بناء أكبر جهاز محاكاة للرياح في العالم، والذي يملك قدرة على توليد رياح وأعاصير تصل سرعتها إلى 157 ميلاً في الساعة (70 مترا/ ثانية)، أي ما يعادل إعصارا من الدرجة الخامسة!.
كما بدأت هذه الجهات في تصنيع وإعداد سيناريوهات متباينة للزلازل والأعاصير والفيضانات وموجات “التسونامي” المدمرة وإضرام حرائق
الغابات عبر أجهزة تحكم دقيقة ومسيرات طائرة تدار بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكأننا على موعد مع سلاح مغاير بمواصفات خاصة ،تضاف لأسلحة الدمار الشامل التي أعيت البشرية دهرا وتهدد مستقبل كوكب الأرض مع تنامي حالات الاستقطاب والتكتلات والانقسام الأممي!.
وتبقي الرسائل والإشارات الكونية للحوادث الأخيرة ومن بينها إعصار “دانيال” ،والذي ضرب مدينة “درنة” الليبية كإضاءات ومراجعات لإعادة كافة الحسابات علي المستويين الوجداني،بما يحمله من محددات إيمانية،وعلي المستوي المادي الذي يحتم إتخاذ إجراءات خاصة لتجنب التأثيرات البيئية السلبية لهذه التغيرات بما تحمله من فيضانات وأعاصير ورياح عاتية،واتخاذ إجراءات فاعلة للتحصن من هذه الآثار المؤلمة.
في تصوري أن أهم هذه الرسائل إعادة التفكير في علاقة الإنسان بالطبيعة ،واهمية إيجاد آلية لعقد هدنة دهرية للمصالحة والصداقة مع كافة مكونات النظام البيئي ومحدداته الطبيعية.
ومن الإشارات الإيمانية المهمة التسليم بقدرة الله المطلقة التي تغير العديد من حسابات البشر ومحاولاتهم الدؤوبة لإلحاق الأذي بأنفسهم بالآخرين ،والتمرد علي الفطرة الإنسانية السوية التي تحدد علاقات متوازنة بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان وجميع الكائنات الحية وعناصر البيئة الإنسانية.
إنها رسائل مهمة لمن يتجاهلون دعوات وقف العدوان الجائر علي البيئة،وعلي الموارد البشرية،علاوة علي إنكار قيم الحق والعدل وحقوق الانسان ،والتي لا تتجزأ مهما اختلف الزمان والمكان.
وصدق الله العظيم وهو القائل في محكم كتابه:
(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )٢٤-٢٥ س يونس.
وبعيدا عن الجدل الدائر حول طبيعة ماحدث في المغرب وليبيا من كوراث طبيعية ،أو مصنعة بفعل فاعل ،وهل هي ابتلاء،أم انتقام إلهي ،فمن الحقائق التي ينبغي أن يدركها الجميع أن أقدار الله تجري بما يشاء ،وربما يهلك فيها الفاسدون والصالحون على حد سواء،وربما ينجو البعض بحصاد أفعالهم وبما قدموا .
فقد جاء في سنة المصطفي ما رواه أبومامة الباهلي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصدَقةُ السِّرِّ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمُرِ).
وفي الرواية الأخرى من الحديث الذي رواه أنس بن مالك عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (صَنائِعُ المَعْرُوفُ تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ والآفَاتِ والهلكَاتِ، و أهلُ المعروفِ في الدنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخرة).
ومن اللقطات المضيئة رغم ظلمة المشهد حصانة البيت الأبيض “منزل الشيخ عادل أبودرعة” راعي الأيتام، والفقراء والذي أثار جدلا واسعا علي منصات التواصل.
وأيضا نجاة شيخ معمر تجاوز المائة والعشرين عاما ،بعد أن تحصن في جدار منزله بعد أن جرفته الكارثة الموجعة،
وأيضا مشهد لأحد الأهالي يؤدي فريضة الصلاة وسط حصار من الرياح والطوفان!.
ومن بين الرسائل موقف مصر الشقيقة الكبرى لكل العرب الحضن الدافئ وفزعة النجدة والإغاثة الإنسانية العاجلة والمظهر المشرف لقواتنا المسلحة، بما يحمله من دلالات لمن يهمه الأمر!.
ومن الدروس العامة المهمة لأهل ليبيا والفرقاء المتنازعين علي أرضها شرقا وغربا ،ضرورة اليقظة بما يحاك لها من القوي الدولية وأرباب المصالح،وإعادة تقييم الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ونبذ الخلافات ،والتكاتف من أجل وطن ليبي حر ،بعيدا عن مطامع ،وتضارب مصالح الدول الكبري..
ومن الرسائل الاكثر أهمية القادمة من قلب الطبيعة الجريح ،ضرورة الاهتمام بالأبعاد البيئية
عند إنشاء المدن الساحلية وإجراء المزيد من دراسات الأثر البيئي لمختلف المشروعات ،وإعادة
التحصن من تداعيات التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية وتركيز الجهود نحو التنمية والنهوض بعيدا عن مقابح الفرقة والتحزب،وما تتطلبه دنيا السياسة ودروبها الوعرة.
واتصور أنها جملة من الرسائل والإشارات والدروس لأهل ليبيا ولغيرها .. فالجميع في قارب مصيري واحد..
وما حيينا تظل أحداث الدنيا ، ما مضي منها وما حضر بمثابة الكتاب المفتوح لمن أراد أن يعي ويتدبر ويعايش الحياة الدنيا بحلوها ومرها ،ولمن أراد أن يأخذ بأسباب التنمية والإعمار رغم كافة التحديات والملمات..
ولله الأمر من قبل ومن بعد.