»»
بما كسبت أيدي الناس فقد كشفت موجات الاحترار الكوني،عن عمق الكارثة البيئية وفداحة تأثيراتها ،ويبدو أن تحقيق استراتيجيات الاستدامة البيئية قد أصبح حلما صعب المنال،بعد ظهور الوجوه المظلمة للتغيرات المناخية بصورها المختلفة وأشكالها المتعددة!.
ويبدو أن عالم اليوم قد رسب بأسره في إختبار حماية البيئة،وفك طلاسم هذه المعضلة والسيطرة علي تداعياتها المزمنة والمستجدة ،في زمن أدمنت فيه الدولة الكبري واستمرأت المناطحات الصناعية والسياسية وحروب الهيمنة علي الموارد الطبيعية وتعمد العدوان الجائر علي البيئة الجريحة بلا تعقل أو إدراك لعواقب الأمور!.
وقد ذهبت تعهدات قادة العالم لحماية البيئة الطبيعية هباء منثورا، وخاصة دول العالم الأول الصناعية المسؤول الأول عن النسبة الأعظم في حجم الانبعاثات الكربونية والحرارية،وتلويث المحيط الحيوي بكافة صنوف الملوثات، وتدمير الأنظمة الإيكولوجية الطبيعية.
ولم تتوقف تحذيرات خبراء البيئة والمناخ من القادم ،مع تصاعد وتيرة موجات حرارة غير المسبوقة في بعض المناطق من العالم ، والتي عرفت بظاهرة “القبة الحرارية والنينو”، أو التردد الجنوبي نتيجة للاختلاف الموسمي للحرارة، والتي تزامنت مع موجات جفاف غير مسبوقة وفيضانات عارمة في مناطق أخري، وإختلال أحزمة المطر.
وبكل أسي وحسرة،فإن كل المؤشرات تؤكد أن
الضمير العالمي ينتحر بيئيا وسياسيا واقتصاديا
واستراتيجيا ،ويخطو خطوات متسارعة نحو النهاية المؤلمة وحتي إشعار آخر، مع هذا الإهمال للملف البيئي.
وقبل سنوات عديدة تربو علي نصف قرن من الزمان حذر علماء البيئة والمناخ من الحصاد الأسوء الذي ينتظر مصير العالم مع استمرار العدوان الجائر
على مقدرات وتوزانات البيئة الطبيعية.
وطالبت مؤتمرات البيئة والمناخ اعتبارا من مؤتمر تبليسي 1972 بأن تضطلع دول العالم بمسؤولياتها الإنسانية حول حماية كوكب الارض من التدهور البيئي ، محذرة من الفناء التدريجي،تحت شعار “عالم واحد في خطر”.
وتوالت المؤتمرات البيئة ومناشدات الأمم المتحدة بمختلف هيئاتها المعنية،ولعل من أشهرها مؤتمري ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992،ثم 2012، وما تبعها من مؤتمرات بيئية وقمم مناخية،من أبرزها قمة المناخ بباريس 2015، وآخرها قمة شرم الشيخ COP 27، والتي دشنت خارطة طريقا جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتوجه نحو تعزيز الطاقة النظيفة ،وتقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية كثيفة الانبعاثات.
والأمر المخجل والمؤسف والذي لا يليق بما وصلت إليه البشرية من علوم ،وتكنولوجيا أن تحولت معظم المؤتمرات والندوات البيئية مع مرور الوقت لمجرد وعود وتوصيف للواقع المؤلم، ولم تؤتي ثمارها المرجوه، وذهبت كل الجهود هباء منثورا ،مع تسارع وتيرة التغيرات المناخية.
ومع استهانة الدولة الكبري بقضية المناخ ،ورفض التخلي عن الصناعات كثيفة المخرجات الكربونية ، أمست الجهود الأممية مجرد تعهدات جوفاء نسمع لها كثيرا من الضجيج ،ولا نري طحينا ، أوحصادا وفيرا.
ورغم مساعي دول العالم لتطوير استراتيجيات الاستثمار البيئي في عالم الطاقة النظيفة ،التخلي عن الوقود الأحفوري ، والتوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة إلا أن المنافسة الشرسة،والمستجدات السياسية والاقتصادية تجبر معظم الدول الكبري علي المضي قدما في استخدام مصادر الطاقة التقليدية بمعدلات ضخمة تفوق نسب اعتمادها علي الطاقة الجديدة بمختلف أنواعها.
كل المؤشرات الطبيعية والاستشرافية تؤكد بدء مواسم الحصاد المر للتغيرات المناخية ،والتي تجاوزت مرحلة التغير إلي التطرف والتقلب اللامحدود مع التشاؤم من المستقبل القادم.
وعلي الجانب الآخر تقف الدول النامية والساعية للنمو ،ودول الاقتصادات الناشئة في موقف الضحية والمتفرج،في انتظار انفراجة كبري لاستكمال مشروعها التنموية ،وصدق النوايا في تحمل كلفة التدمير البيئي والاتفاق علي مشروعات أممية وعقد شراكات،وإقرار شرائع من شأنها العمل الدولي الموحد،والجاد للتغلب على كافة المشكلات البيئية وإقرار مفاهيم التنمية المستدامة.
وحتي لا نعود بالملف لنقطة الصفر،لأول السطر ،ورغم قتامة المشهد حاضرا ومستقبلا فإن أفضل الحلول للتغلب علي المأزق البيئي الراهن تنطلق
من تكثيف التوعية العامة بأهداف التربية والمواطنة البيئية،وبناء اتجاهات ايجابية تجاه البيئة الإنسانية.
كما تنطلق أيضا من المشاركة الفاعلة،ومن أبسط الممارسات التي تبدأ من الأفراد والجماعات وتنتهى عند الدول وسياساتها واستراتيجياتها وصدق التعهدات للتحول نحو البيئة النظيفة.
كما تظل قيم الترشيد، وقياسات الأثر البيئي
وتعزيز التعاون الأممي الفعال والاستثمار البيئي ،وتحديد الأولويات وفكر التنمية المستدامة ،هو السبيل للنجاة من المأزق الراهن،والحفاظ علي حق الأجيال القادمة في حياة كريمة ،بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ومع تزايد فاتورة التكلفة البيئية الباهضة لمعالجة آثار التداعيات المؤلمة للتغيرات ،قد يراجع صناع القرار والسياسات مواقفهم التحصن من هذه الآثار الضارة ، والعمل تحت مستهدفات الاستدامة البيئية، التفاعل المسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها والسماح بجودة بيئية طويلة المدى، استغلال الموارد الطبيعيّة لأطول مدى زمنيٍ ممكن يؤدّي إلى المحافظة على استمرار الحياة، تجنبا لعواقب الإحتباس الحراري وتعظيم الإستفادة من مصادر الطاقة المتجددة ، وحماية البيئة والكائنات والطبيعة، من خلال فرض ضريبة الكربون وتغيير سلوك المنتج والمستهلك.
وفي ضوء هذه القناعات دشنت مصر
رؤيتها للتنمية المستدامة 2030،والتي تؤكد على ضرورة أن يكون البُعد البيئي محوراً أساسياً في كافة القطاعات التنموية بصورة تحقق أمن الموارد الطبيعية وتدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، ويسهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للإنسان المصري.
كما كثفت أرض الكنانة مساندتها للدوائر العربية والإفريقية، لتلبي الدعوة الأممية نحو الانطلاق إلى طاقة المستقبل المتجددة.
وتبقي الإرادة الجماعية لأبناء كوكب الأرض ،هي الفيصل لصناعة الأمل وإنقاذ البيئة وتجديد شرايين الحياة من جديد.