»» عائد إلى حيفا، اجتياح ،والتغريبة، روح القدس و”مليحة”..خطوات علي الطريق
وسط هذه الظروف المأسوية للشعب الفلسطيني الصامد يتوق الكثيرون من أبناء العروبة إلي عمل درامي ضخم يجسد مستجدات القضية الفلسطينية ،ويسرد وقائع الماضي والحاضر ،ويرصد أحداثا مهمة ونماذجا من عشرات القصص الإنسانية المأساوية والتي شهدتها غزة والقدس ومختلف بقاع أرض فلسطين في رحلة الصمود في وجه الاحتلال ،دفاعا عن الأرض والعرض وكرامة كل عربي حر عزيز.
ومهما حلق خيال كتاب ومؤلفي دراما الحياة بعيدا ، فلن يجدوا مجالا أرحب من هذه “التراجيديا السوداء” التي تجسد هذا الواقع المؤلم بتفاصيله الأكثر وجعا والذي يعايشه الفلسطينيون، صباحا ومساء وسط مواقف دولية متابينة وتخاذل غربي مشين،وعجز المجتمع الدولي عن اتخاذ قرارات فاعلة لوقف هذه الأحداث المأساوية ومحاولات إبادة شعب وتصفية قضية،وتغيير وجه الحياة علي أرض فلسطين الحبيبة قضية العرب الأولي.
أتصور أن إنتاج عمل متميز وشامل في صورة فيلم أو مسلسل،وبمحددات ومواصفات فنية فائقة الجودة يتطلب تكاتفا بين مختلف الجهات المعنية بالدول العربية مع شركات الإنتاج الخاصة، وتوظيف كافة التقنيات الحديثة في التصوير والإخراج والأداء لإضافة المزيد من عناصر الإبهار والجذب والجودة لهذا العمل الشامل.
كما يعد هذا المقترح مسؤولية وطنية وقومية لا تقل أهميتها عن الجهود الدبلوماسية الحثيثة علي مختلف المحاور العربية والأممية لإيجاد حلول عملية ومقنعة للقضية الفلسطينية،ودعم أبناء غزة وإقرار حقهم في وطن آمن وحياة كريمة،ووقف أعمال الإبادة وتدمير كافة صور الحياة ،واستبعاد فكرة التهجير القسري إلي الأبد.
وبين الأمس واليوم وتطلعات المستقبل نحو إنتاج عمل يليق بالقضية الفلسطينية ، ومن سجل الدراما العربية شهدت الساحة الفنية العربية أعمالا فنية ،أراها خطوات مهمة علي طريق طويل نحو مهمة شاقة لتعزيز مرتكزات الفن العربي القيمي الأصيل ،أحد روافد قوي التواصل الإنساني الناعمة.
من بين هذه الأعمال “عائد إلى حيفا” ،وهو مسلسل سوري مأخوذ عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أنتج عام 2004،إخراج باسل الخطيب، وسيناريو غسان نزال.
ومن بين ابطال العمل نورمان أسعد ،صباح الجزائري ،سلوم حداد سعيد ،سامر المصري، تيسير إدريس ،قمر خلف،تاج حيدر خالدة ،روعة السعد.
وقد جاء المسلسل وفقا لرؤيا بعض النقاد كملحمة وطنية مؤثرة لأسرة فلسطينية بما تحمله من نبل وعنفوان وقدرة على المواجهة، والأهم ، أنها تحاكي قضية فلسطين في بعدها الإنساني العميق.. ويقف المشاهد خلاله أمام حالة انسانية وطنية تراجيدية، حيث تبدأ مع عام النكبة في ذروة احداثه، ليصور المسلسل رحلة طويلة من التشرد والعذاب والآلام، رحلة يغوص في مخاضها مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد أن اقتلعوا من ديارهم وحرموا من أهلهم وأرضهم.
كما يؤرخ المسلسل ليوميات سقوط حيفا عام 1948 من خلال رصده لمصير عائلة فلسطينية (مأساة المدرس الفلسطيني سعيد وزوجته صفية) حيث تشتت وعانت من التهجير والنزوح والتشريد في المخيمات.
وضمن الأعمال الفنية المتميزة جاء المسلسل الدرامي التاريخي السوري “التغريبةُ الفِلسطينية”، ويعد واحداً من أشهر ما أنتجتهُ الدراما العربية في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية حسب العديد من النقّاد.
وقد نال المسلسل كثيرا من الجوائز من دول عربية مختلفة،و أنتجته شركة سوريا الدولية للإنتاج الفني، وتم تصويره بالكامل في سوريا عام 2004م، وبُثَّ للمُشاهد في نفس العام في 31 حلقة، طَوالَ شهر رمضان عام 1425 هـ، فكان أولَ عرضٍ له في 15 أكتوبر 2004م.
كتب المسلسل وليد سيف، وأخرجه حاتم علي، وكلاهما عاصر جانبا من المحنة ،وعاش أيام الاحتلال والحرب واللجوء.
ويروي المسلسل قصة أُسرة فلسطينية فقيرة تُكافح مِن أجل البقاء في ظل الانتداب البريطاني ثمّ خِلال الثورة الفلسطينية الكبرى، وفي مخيَّم اللجوء بعد النكبة، حيث تُلخِّص الأحداث التي مرَّت بها هذه الأسرة حِقبةً تاريخية مهمة في حياة الفلسطينيين امتدَّت ما بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين، مروراً بالعديد من الأحداث الهامة، حتى نكسة يونيوعام 1967م، وصمود أفراد الأسرة على الرغم مما واجهوه من أخطار الحرب، ونجح فريق العمل إلي حد كبير في تجسيد الشخصيات وتوثيق المعاناة على نحو قريب جدا من الواقع.
وتكمن أهمية العمل في أنه نشَّطَ الذاكرة الفلسطينية وصنعَ مخزونا قِيميا للأجيال القادمة، بعدما راهن الاحتلال الإسرائيلي على طمس الذاكرة الفلسطينية من عقول الأجيال المتعاقبة.
ومن أوجه التميز أنه لم يلخِّص تاريخ تلك المرحلة فحسب، بل استعرض كذلك الحياة الاجتماعية الفلسطينية بأطيافها وطبقاتها المختلفة؛ إذ تميَّز بتنوُع شخصياته، فضم الفلاح والعامل والشاعر والمثقف والثائر والإقطاعي والخائن لوطنه.
وهو يقدِّم المأساة الفلسطينية في صيغة قريبة من فهم فئات واسعة من الجمهور العربي تعجِزُ وسائلُ تعبيرية أخرى عن إيصالها، وهذا من شأنه أن يُسهمَ في حفظ الذاكرة الفلسطينية أمام المؤامرات والتشويه التاريخي الذي تقدمه منصات الدعاية التابع للكيان المحتل.
وفي عام 2007 عرض مسلسل “الاجتياح” من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي، وإخراج شوقي الماجري وسيناريو رياض سيف. يصور المسلسل معاناة الشعب الفلسطيني خلال اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين سنة 2002م.
كما تناول العمل مختلف الأحداث التي ترافقت مع عملية الدرع الواقي الإسرائيلية عام 2002م بإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية.
وصوّرت مشاهده في أحياء مدينة دمشق حول الأحداث التي دارت خلال الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية من حصار لياسر عرفات في رام الله، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم ومجزرة جنين.
ويبدأ المسلسل بمشهد إنساني يحتوي جملة من المعاني بإنقاذ مقاومين فلسطينيين لفتاتين من حادث سير الأولى فلسطينية إسرائيلية والأخرى يهودية.
وفي رمضان هذا العام جاء مسلسل “مليحة” ضمن مسلسلات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية،.
وهو مكون من 15 حلقة ،من تأليف رشا عزت الجزار وإخراج عمرو عرفة.
وقام بدور البطولة كل من: محمد دياب، وميرفت أمين وأشرف زكي، الفلسطينية سيرين خاس، أمير المصري، أنور خليل ورحاب الشناط وديانا رحمة وومروان عايش ومروة أنور، حنان سليمان، وغيرهم.
وتدور أحداث قصة المسلسل حول قضية فتاة فلسطينية تدعى مليحة، التى كانت تعيش فى ليبيا بعد أن تركت فلسطين مع جديها بعد أحداث الانتفاضة عام 2000، وذلك بسبب تدمير الاحتلال لمنزلهم، ومع مرور الوقت تتعرف مليحة على الضابط الشاب أدهم على الحدود المصرية الليبية، وهم يحاولون الرجوع إلى قطاع غزة ولكنهم يفقدون أوراقهم الثبوتية بعد وفاة والدها، وتنشأ بين مليحة وأدهم مشاعر ولكن هي وأهلها متمسكين برجوعهم لقطاع غزة، وتدور أحداث المسلسل في إطار تشويقية ..هل سيرتبط أدهم ومليحة؟.. هل ستبقى في مصر؟.. هل سيكون مستقبلها سعيدا بعد الماضى الحزين.
وهناك أيضا مسلسل “أنا القدس” و”روح القدس” وغيرها ، كما عالجت بعض الافلام في بعض مشاهدها الانتفاضة الفلسطينية وعرضت لصور من معاناة الشعب الفلسطيني مثل فيلم “أصحاب ولا بيزنس” وغيره.
وفي هذا الشأن اعتقد أنه من ضرورة تجنب الأعمال المشبوهة التي تدعو للتطبيع مع إسرائيل وتجميل صورة الكيان الصهيوني الغادر ، ولعل النموذج الأسوأ في هذا السياق كان مسلسل “أم هارون”،والذي عرض عبر شاشة العديد من الفضائيات العربية
قبل عدة سنوات ،ووصفه النقاد بأنه نكسة درامية خبيثة!.
وقد أثار العديد من التساؤلات حول أصل فكرة المسلسل وجهة التمويل.. أخرجه محمد جمال العدل، من تأليف علي شمس ومحمد شمس، وتم تصويره في دول الإمارات العربية ،والبطولة لعدد من الفنانين العرب وعلي رأسهم الفنانة الكويتية الشهيرة صاحبة الاعمال المتميزة حياة الفهد.
كما يثور تساؤل مهم أين أبناء فلسطين من الفنانين والكتاب والمخرجين والفنيين في هذا الشأن ، فعلاوة علي جهود صناع الدراما العربية فأهل مكة أدري بشعابها ،وربما أقدر علي التعبير الصادق عن عمق المأساة الإنسانية لشعب فلسطين.
وقد كانت البدايات مع مسلسلي “عز الدين القسام”، و”بأم عيني” من إنتاج منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، ومع زخم التسعينيات وما بعدها لم نر سوي بعض الأعمال غالبيتها من إنتاج مصري وسوري ولبناني.
وحتي تظل قضيتنا حية في العقول والقلوب ،لا ريب أننا نحتاج بين الفينة والأخري للتذكرة والتوعية لأجيال اليوم بتجنب الأعمال المشبوهة ،ودراما الفن المغرض الخبيث لإتقاء شرور الوقوع في براثن الفكر التطبيعي مع العدو الصهويني المغتصب ،الذي يسعي مغرضون لدمجه في جسد الكيانات العربية كما تسري النيران المستعرة في الهشيم !.
وانطلاقا من ثوابت الوحدة والقومية العربية ووفقا لمتغيرات العصر فقد أصبح لزاما حشد الجهود لصناعة دراما قوية تدعم القضايا العربية وتنتصر لمباديء وقيم الحق والعدل والحرية، ونصرة شعب فلسطين المثابر المجاهد ولا تصطدم مع الثوابت العقيدية والوطنية..
ومهما طال ظلام الليل ،فالنصر آت بوعد الله الحق..إنه كان وعدا مفعولا.