»»
مابين نظم التعليم التقليدية التي اعتاد الناس عليها ونظم التعليم المعاصرة مسافات جمة، وطرق متباينة في النظرية والتطبيق ،ربما تتفق في بعض المرتكزات المعرفية وطرق تحصيل العلوم،لكنها تختلف اختلافا جذريا في الأهداف والمردودات،ووسائل القياس والتقويم.
في النظم التقليدية تبرز فكرة التلقين والحفظ الآلي،كأهم الوسائل لتحصيل أعلي الدرجات ،بينما تستند النظم الحديثة لفكرة التعليم النشط بكل ما تحمله من معان ،والذي يدعم فكرة المشاركة وتعزيز مهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي والتحليل والاستشراف والقراءة الواعية للمستقبل.
وكعادة أهل المحروسة يتجوسون من كل تغيير أو تطوير ، فمعظم أصحاب الرؤي المجتمعية ،إضافة لبعض عناصر المنظومة التعليمية يميلون لفكرة الاعتياد والثبات ،ربما لظروف اقتصادية،أو لأبعاد وثقافات مجتمعية متوراثة..
ومن ثم فهناك ضرورة لفتح قنوات الحوار المجتمعى بما يحمله من تهيئة الظروف الملائمة واختيار التوقيت المناسب،تمهيدا للانتقال ” السلمي” نحو النظم التعليمية والتربوية المتطورة تجنبا للانتكاسة ،وربما التمرد أوالرفض ،أو مجرد قلق من المستقبل!.
ولا ريب أنه من حسنات الاتجاهات المعاصره في تطوير النظم التعليمية تبادل الخبرات العلمية والعملية والاستفاده من التجارب الدولية الرائدة ،والأخذ بكافة إيجابياتها وتجنب بعض سلبياتها ،أو ما لا يتوافق مع النسق الاجتماعي العام.
واعتبارا من العام الدراسي 2016- 2017 ، بدأت وزارة التعليم التخطيط في تنفيذ نظام التعليم الياباني “توكاتسو” في 12 مدرسة في القاهرة، وفي نهاية عام 2017، أعلنت الوزارة بدء النظام في حوالي 45 مدرسة أخرى في كل انحاء البلاد.
كما تعتزم تطبيق أنشطة نظام التعليم الياباني” توكاتسو على 100مدرسة من قرى حياة كريمة، بالتعاون بين مؤسسة “حياة كريمة” ،الوزارةومؤسسة “الچايكا” اليابانية،علاوة علي المدارس السابقة في مختلف أنحاء الجمهورية.
وفي تقديري أنه من الأجدي إجراء تقييم شامل للتجربة بايجابياتها وسلبياتها في مرحلتها الأولي ،ورصد كافة التحديات والمعوقات للاستفادة منها فيما هو قادم، لتحقيق مزيد من المكاسب والنتائج الإيجابية.
وفي هذا السياق قامت الوزارة بعقد تدريب معلمي ومديري 30 مدرسة ضمن المرحلة الأولى من تفعيل تطبيق النموذج الموسع لأنشطة ” توكاتسو ” الأساسية على مدار ثلاثة أيام خلال الفترة من 16- 18 أغسطس.
وتستهدف المرحلة الأولى تدريب معلمي ومديري 30 مدرسة بمحافظات؛ المنوفية والبحيرة والدقهلية، وقد تضمن تدريب المعلمين ، اكسابهم معارف ومهارات تطبيق الأنشطة اليابانية ،الريادة اليومية بالتناوب، مجلس الفصل، المناقشات التوجيهية، الفعاليات المدرسية، وغيرها.
وأتصور أن فكرة التدريب تتطلب وقتا أطول وإعدادا شاملا للمعلمين ولا مانع من إجراء تدريبات تدريجية في المدراس المرشحة لتطبيق هذا النظام ، ولمدة يوم أو أكثر أسبوعيا قبل اعتماد النظام رسميا.
“التوكاتسو” في أبسط مفاهيمه هو نظام تعليمي معروف في اليابان يطور جميع مهارات الطالب، ويركز على الإبداع والتفكير بدلاً من الحفظ والتلقين.
ويستهدف تطوير مواقف إيجابية فاعلة من جانب الطلاب للتعامل مع مختلف القضايا في الفصل والمدرسة والحياة بصفة عامة، حيث يقوم الطلاب بوضع أهداف لهم، وتبادل الحوار والمناقشة والبحث عن حل للمشكلات وتوافق الآراء، وتمتد أهداف الأنشطة إلى تغيير سلوكيات الطلاب داخل المدرسة والمنزل والمجتمع.
كما يعتمد على اكتساب مهارات ومعارف جديدة للطلاب وتعزيز الانتماء إلى المكان الذي يعيشون فيه.
وتتفق أنشطته علي ضرورة ممارسة العمل الطلابي الجماعي والتعاون للوصول إلى الأهداف شريط ألا يتجاوز عدد الطلاب عن 40 طالبا في الفصل الواحد، مع تمديد اليوم الدراسي حتى الساعة 3:30 مساءً، وذلك للسماح بإجراء الأنشطة بين الفصول الدراسية.
واعتقد أنه التحدي الأكبر نحو تهيئة وصناعة بيئة تعليمية عصرية بمواصفات فاعلة ،مؤثرة و متميزة.
وتهدف الأنشطة أيضا إلى بناء شخصية الطالب ومهارات العمل الجماعي والانتماء وتنمية قيم النظافة واحترام الذات والمسؤولية والتفكير.
وفقا للنظام، سيعقد التلاميذ اجتماعا كل صباح وآخر في نهاية اليوم لمناقشة ما يفعلونه خلال اليوم والتخطيط للأنشطة لليوم التالي من أجل تحقيق المزيد من المتعة في العمل والمدرسة.
ووفقا للتجربة اليابانية فإن نظام “توكاتسو” يعزز بناء الشخصية وينمي ثقة الطلاب بأنفسهم من خلال العديد من الأنشطة والمهارات مثل:
تخصيص مجموعة من الدروس لتعليم الطلاب
غسل اليدين ،تنظيف الفصول الدراسية بصورة دورية ، المشاركة في النظافة المدرسية ،التعليم الغذائي ،الحماية الذاتية والسلوك المنضبط ، التعاون و العمل الجماعي ، تعلم احترام رؤي الآخرين ومراعاة مشاعرهم ،وفهم الاختلافات الشخصية.
كما تتضمن حل المشكلات المتعلقة بالفصول الدراسية ،تحديد الأدوار والمسؤوليات ،تحسين الأنشطة الجماعية المختلفة من خلال الورش التدريبية المختلفة،والتكيف والنضج والحرص على معايير الصحةوالسلامة ، التعامل مع هموم المراهقة.
وأيضا الشعور بأهمية أن تكون عضوا في المجتمع ،تطوير علاقات شخصية جيدة ،التعرف على أهمية الأنشطة التطوعية والمشاركة فيها ،تطوير عادات يومية صحية وآمنة للجسم والعقل ،التكيف مع التغيرات الناتجة عن النضج الجنسي ،تطوير عادات غذائية جيدة ،فهم قيمة الدراسات والعمل، تنمية عادات الدراسة الإيجابية ،الاستفادة من مكتبة المدرسة ،التفكير بعناية في التعليم الإضافي المناسب ،الاستفادة من المعلومات ، علاوة علي تطوير وجهة نظر مرغوبة للتوظيف والوظيفة،التفكير في اختيار المدرسة الثانوية، التخطيط للمستقبل ، وغيرها.
وتبقي هذه القيم وتلك المرتكزات للتعليم التجريبي والتعلم بالممارسة مرهون بالتناغم والتنسيق اللامحدود بين مختلف عناصر المنظومة التعليمية ،وعلي التعاون المثمر بين الإدارة والمعلمين والطلاب لإنجاح التجربة وتحقيق المبتغيات المرجوه، خلال ممارسة الأنشطة الصفية واللاصفية.
كما أتصور ضرورة إضفاء خصوصية للتعليم العصري ،بمواصفات مصرية أصيلة تحفظ تراثنا الوطني العريق وهويتنا وثقافتنا العربية الفريدة.
ويجب مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمختلف فئات المجتمع المصري التي تتطلب الإختيار الأمثل للبعدالمكاني والزماني
مع التدرج والبداية في كل الأحوال من مرحلة ما قبل التعليم الأساسي،ثم التدرج تباعا خلال المراحل التعليمية الأخري.
وهناك ضرورة عصرية لإضفاء البعد البيئي والاهتمام بالتعليم النشط ،والذي يؤسس لعلاقة متوازنة ومتعقلة بين المواطن وبيئته ،ويدعم مفاهيم التربية البيئية بما تتضمنه من مفاهيم إيجابية تضمن تصحيح العلاقة بين الإنسان والطبيعة وإعلاء شأن الصداقة والمواطنة البيئية الراشدة.