»»
بشغف شديد وتفحص دقيق ترقب الأوساط العلمية والشعبية نتائج دراسات وأبحاث شركة “أيلون ماسك”، لزرع شرائح إلكترونية في أدمغة أبناء البشر.
ورغم تخوفات البعض من شطحات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا إنه يظل عالما جديدا مفعم بالإثارة والتشويق، مع تطلعات وآمال ملايين المرضي بتحقيق الشفاء، أو استرداد جزء من العافية وعلاج بعض أنواع الأمراض المرتبطة بالمخ كالزهايمر والخرف، والعمي، والشلل الرعاش، وفقدان الحركة والتحكم في الاعصاب والجهاز الإرادي، وتلف بعض خلايا المخ، وغيرها.
وبعد تجارب مضنية استمرت لعدة سنوات أعلن “أيلون ماسك” مؤسس شركة “يورالينك”، نجاح زرع شريحة في دماغ الإنسان.
وأعلن ماسك قبل عدة أيام أن أول إنسان خضع لزراعة شريحة دماغية من الشركة تعافى تماما، وأصبح قادرا على التحكم في فأرة كمبيوتر من خلال التفكير.
وقال ماسك خلال فعالية مباشرة على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي: “التقدم جيد ويبدو أن الشخص الذي تم زراعة الشريحة له تعافى بالكامل مع تأثيرات عصبية نحن على دراية بها، واستطاع تحريك فأرة في أنحاء الشاشة فقط بمجرد التفكير”.
وتحاول شركة “نيورالينك” حاليا الحصول على أكبر قدر ممكن من ضغطات زر الفأرة من الإنسان، الذي زرعت له الشريحة الدماغية، تمهيدا لإنجاز مهام أخري بمجرد التفكير.
وقد نجحت الشركة في زرع أول شريحة في دماغ إنسان الشهر الماضي بعد الحصول على الموافقة بإجراء تجارب بشرية في سبتمبر 2023.
وأوضحت “نيورالينك” أنه تم الاستعانة بروبوت لإدخال ما يعرف بواجهة الدماغ والكمبيوتر جراحيا في المنطقة المسؤولة عن التحكم في الحركة في الدماغ، والهدف المبدئي هو تمكين الأشخاص من التحكم في مؤشر الفأرة أو لوحة المفاتيح من خلال التفكير.
ولدى “ماسك” تطلعات جمة بخصوص أعمال شركته خلال المرحلةالمقبلة، إذ قال إن الشركة ستسهل الجراحات السريعة لغرس الشرائح لعلاج حالات منها السمنة المفرطة والتوحد والاكتئاب والانفصام.
وبتفحص تاريخ فكرة غرس الشرائح في الجسم البشري، فإنها ليست المرة الأولى، فزراعة شريحة تحت الجلد تستخدم منذ عدة سنوات فى السويد وإنجلترا وأمريكا، وذلك لتخزين بيانات الاشخاص تكون مسجلة ومحفوظة بداخله ويتم قرائتها ببصمة الإصبع ولاتتفاعل مع الجهاز الداخلى للإنسان، بينما شريحة “ايلون ماسك” تتحدث بها مستقبلات ومرسلات تتفاعل مع المستقبلات الموجودة داخل مخ الانسان تضيف أو تعدل أو تعطى معلومة وتستقبل إشارات خارجية من أجهزة وتستخدم لوضع ذاكرة عليها، وفقا لما يحتاجه الانسان، وبمجرد التفكير فى شىء معين يتم استدعاءه من الشريحة وتسترجع بيانات بمجرد التفكير بها تظهر المعلومات وتبقى داخل الذاكرة.
وفي السنوات الأخيرة بدأت أبحاث علمية مستفيضة لإجراء تجارب حول إمكانية تطوير هذه التقنيات عبر تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي لتحقيق إمكانية التخاطب بالتخاطر بين البشر، وبمجرد التفكير فى شىء يتم استدعاءه من الشريحة، وكأنك متصل بجهاز كمبيوتر بصورة دائمة وتحصل على المعلومات بصورة سريعة، وإن عجز الشخص عن الحديث بلسانه، فإنه يتحدث بعقله عن طريق نقل الإشارات الدماغية ويتم ترجمتها وتنفيذها، مع بحث إمكانية الحديث بالتخاطر من خلال قراءة الطرفين مابدور بخاطرهما بجودة فهم عالية ودقيقة، وتحقيق التكامل بين الدماغ البشري ومختلف أجهزة الكمبيوتر.
والهدف الأسمى المعلن التوصل لعلاج مجموعة من الأمراض المتصلة بمراكز التحكم في المخ.
كما تستهدف الشريحة أصحاب القدرات المحدودة وتعالج أمراض العمود الفقري والأمراض العصبية التي تصيب الانسان بما فيها نوبات الصرع، وتلف الدماغ، والشلل، والاكتئاب والعمى، إضافة لإحلال معلومات وأوامر إلى الذاكرة تزيد قدرتها، وإحلال لما فقده الإنسان.
وفي هذا السياق جاءت فكرة شريحة “أيلون ماسك” عبارة عن شريحة إلكترونية بحجم العملة المعدنية الصغيرة تحتوي علي ما يقرب من 2000 موصل إلكتروني متناهي الصغر يتم ربط كل موصل منهم بموصل عصبي في المخ ومن المتوقع أن تقوم تلك الشريحة بإرسال إشارات كهربائية إلي المخ البشري للقيام بمهام معينة أو لمعالجة بعض أوجه القصور في المخ، والتي تسببت في بعض الأمراض والاعاقات.
وبعيدا عن تقديرات تكلفة الشريحة الواحدة التي قد تزيد عن خمسة آلاف دولار، فمن المتوقع أن يتزايد الخلاف بين الباحثين والشركات المتنافسة حول مستقبل تلك التقنية.
وينقسم المراقبون بين فريق متفائل ومؤمن بشدة بجدوي الشريحة وفريق آخر يري أن الأمر صعب ومحفوف بالمخاطر، وربما الفشل. وبين هؤلاء وهؤلاء يري البعض أن مستقبل تلك الشريحة قد يكون مفيدا في بعض حالات الإعاقة الشديدة أو اصابات الحبل الشوكي الميؤوس منها.
كما يثور تساؤل مهم.. هل تتحكم الشرائح الإلكترونية الدماغية في مصائر البشر.. هل تتجاوز مهمتها العلمية والإنسانية إلي عالم من المهام الموجهة اللامحدودة
أتصور أنه لا خلاف حول أن صناعة الرقائق الذكية من أهم مجالات الذكاء الاصطناعي فائقة التطور، والتي طوعت لخدمة البشرية، ولكن المخاوف والتساؤلات بشأن طرق اندماج البشر وتفاعلهم مع العقول الصناعية الموازية الجديدة، وما يمكن أن تغيره في شكل الحياة الذى أصبح واقعا ملموسا.
ويري بعض الخبراء أن تقنية ماسك تثير مخاوف قرصنة المعلومات والبيانات، كما أن هناك تخوفات لدي البعض من توجيه العقل أو إعطائه آوامر أخرى وبالتالي العبث في الذاكرة على المدى الطويل والقصير، واستبدال معلوماتها بأخرى جديدة أو توجيهها للقيام بأفعال معينة.
كما لا يزال البعض مقتنعا بنظريات المؤامرة، التي تستخدم صيغة “النظام العالمي الجديد” للإشارة إلى مشروع توحيد العالم، في ظلّ حكم عالمي، وفرض عولمة سياسية ودينية واقتصادية وثقافية، تشكّل فيها جميع دول العالم.
كما ينظر البعض بعين الريبة لمحاولات زرع شريحة فى جسم الانسان، وكان آخرها الاتهامات لمؤسس شركة مايكروسوفت بأنه يعمل وفقا لأجندة سرية للسيطرة على العالم باللقاحات ، وأنه استخدم فيروس كورونا المستجد لزرع رقائق في دماغ البشر تحت مسمى ” ID 2020″ تمهيدا لحقن كل البشر بها تحت مسمى لقاح.
كما يري البعض أنه مشروع عملاق تديره قوي خفية متعددة المصالح لرقمنة كافة أنشطة العالم “مال- تعليم- إقتصاد- صحة” عبر شرائح موجهة تزرع في جسم الانسان تضم كل معلوماته، موقعه، تاريخه المرضي وفقا للمزاعم المتناقلة.
ولا ريب أن أهل المعمورة يرحبون بكل ما هو جديد ونافع، لكنهم يرفضون فكرة الانقياد المطلق، للغير عبر تقنيات الآلة الصماء، كما يتوجسون من السيطرة علي العقول والتحكم وتوجيه الأفكار واختراق الخصوصيات وتحويلهم لمجرد كائنات صامتة
تتلقي أوامر لتنفيذها دون وعي أو إدراك أو تفكير، أو مشاركة فعلية في تقرير المصير.
وما بين الخوف والرجاء تتأرجح مشاعر واتجاهات أبناء الأرض شرقا وغربا، باختلاف انتماءاتهم ودولهم وعقائدهم، بينما تتضاعف المخاوف لدي الدول الناشئة والساعية للنمو، والتي تستهلك أضعاف ما تنتج وتسهم في الإنتاج الرقمي وتطبيقات البرمجيات المختلفة بقدر متواضع وابتكارات محدودة مقارنة بدول العالم الأول، صاحبة اليد العليا في الاقتصاد، والسياسة والتكنولوجيا والانتاج الرقمي اللامحدود.
ويبقي الفيصل لتحديد ملامح الحكم النهائي علي هذه التقنيات هي الممارسة الفعلية المتعلقة، بعيدا عن شطحات وسطوات المنتفعين وتجار التكنولوجيا في عصر المتغيرات المتسارعة، التي فاقت كل التوقعات وتتجه لتدشين عالم افتراضي جديد يتجاوز حدود الزمان والمكان!.