وسقطت ورقة خضراء يانعة من أوراق الكفاح والصمود.. من وريقات الشهداء الأحياء ,, وداعا الشيخ المجاهد حسن خلف خافات عميد مجاهدي شمال سيناء وعضو منظمة سيناء العربية التي أشرفت عليها الدولة المصرية لإجهاض تحركات العدو وتنفيذ عمليات خاصة لمساعدة الجيش المصري إبان حرب الاستنزاف و حتي نصرأكتوبر وما بعدها..
المجاهد الفقيد كان وسيظل رمزا من رموز البطولة والإرادة والتحدي وأيقونة العزة والصمود.. غرس مع رفاقه المجاهدين صروح الأمل حتي تجاوز الوطن سنوات المحنة وتحقق النصر المبين.
رحل البدوي العربي الأصيل عميد وفخر وقبيلة السواركة والقبائل العربية حراس الحدود ومنبع الأصالة والعزة والكرم والنضال. .لقد سطر المجاهد حسن خلف سطورا مضيئة من العمليات المقاومة التي أقلقت مضاجع العدو،واذاقت الصهاينة ويلات الذل والمهانة ،وحفرت في جدران التاريخ ..
وبقلوب مكلومة ،لكنها مؤمنة بقضاء الله ودعه ملايين المحبين من أبناء سيناء وجميع القبائل العربية بمختلف ربوع الوطن العربي.
سجن لسنوات عديدة اسيرا في غياهب سجون العدو الإسرائيلي الغاشم وشهد صنوفا من التعذيب والتنكيل،فلم يزده السجن إلا قوة،وإيمانا وعزيمة الشم الرواسي التي لا تضعف ولا تلين .. و كان إمتدادا لجيل من المجاهدين ،الذين ضربوا أروع أمثلة إنه البطل والغرس الطيب الذي غرسه المجاهد البطل سالم الهرش “رحمه الله” ،حين أعلن مع رموز العائلات والقبائل السيناوية رفضه التفريط في أي حبة رمل من رمال الوطن،وأعلن في مؤتمر الحسنة الشهير عام 1968 أن سيناء كانت وستظل جزءا لا يتجزأ من مصرنا الحبيبة،وتسلم الشيخ حسن خلف راية الجهاد والصمود وواصل المسيرة مع رفاق الجهاد عضو منظمة سيناء العربية.
بطولاته وسجاياه شهد بها الإسرائيليون أنفسهم، وسجلها التاريخ بأحرف من نور وخلدت سيرة وأصالة أبناء سيناء خلال سنوات المواجهة مع العدو الصهيوني، وكللت ثمارها خلال حرب الاستنزاف في أعقاب نكسة 1967 التي وصفها المجاهد البطل بـ”الحرب المهزلة”، فالجندي المصري ظلم ولم تتح له الفرصة لكي يخوض معركه حقيقيه ،وصولا إلى حرب 1973 التي كللت بنصر عسكري كبير ،وشهد للفقيد الغالي له عتاة الحروب وخبراء العلوم العسكرية في العالم شرق وغربا.
ونقطف من ثمار أبرز العمليات التي شارك فيها علي لسانه حيث قال في حوار سابق له بإحدي الصحف المصرية:
(عقب استشهاد الفريق عبد المنعم رياض يوم 9 مارس سنة 1969، قررت القيادة المصرية رد اعتبار الشهيد و والانتقام من العدو الإسرائيلي في أدق وأكبر مواقعه؛ فدرسنا كيفية ضرب مقر القيادة العسكرية في الجيش الإسرائيلي في سيناء.. وضع قادتنا الخطة وساعة التنفيذ وكان لي الشرف أني قدت هذه العملية.
ذهبنا وراقبنا المقر وحددناه من جميع زواياه واخترنا المكان المناسب ونصبنا الصواريخ التي انطلقت في 5.20 فجرا أحد أيام شهر رمضان سنة 1969 بعد حوالي شهر من استشهاد الفريق رياض، وكان الله معانا فأصابت الصواريخ المقر إصابات مباشرة واعترف العدو بمقتل عدد من جنوده.
بعد نحو أربعين دقيقه كانت طائره هليكوبتر إسرائيلية تهبط في المكان ونزل منها الجنرال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي وهنا قامت القيادة المصرية لإنقاذنا، وأعلنت في بيان عسكري أن هذه العملية قامت بها قواتنا البحرية وعادت لقواعدها سالمة.. هذا البيان صرف أنظار العدو عنا وملاحقتنا في الصحراء).
واقعة أخرى رواها خلف ترصد دور أبناء سيناء في حرب أكتوبر كان بطلها الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان وقتها برتبة لواء يتولى قائد القوات الجوية..
قال المجاهد خلف : (بعد قرار وقف إطلاق النار كان يوجد لنا خلف خطوط العدو عدد من جنود النخبة (المظلات والصاعقة)، كانت قد ألقت بهم الطائرات خلف الخطوط أثناء العمليات، وبعد قرار وقف أطلق النار طُلب من اللواء حسني مبارك طائرة هليكوبتر لانتشال هؤلاء الجنود وكان الرد الموثق لدى المخابرات الحربية أنه قال: بعد قرار وقف إطلاق النار لا أستطيع أن أُدخل طائرة”، وأردف قائلاً: ”يمكن أن تستعينوا بالبدو”.
”وهنا أبرقت المخابرات الحربية إلى رجالها في سيناء بأن يتصرفوا، وفعلا تم سحب هؤلاء الجنود للجبال وأخذوا يتنقلون بهم من جبلٍ لجبلٍ لمدة ستة أشهر بعيدا عن أعين العدو. وبعد فض الاشتباك الثاني عادوا بهم لمصر بكامل أسلحتهم سالمين غانمين وقابلهم السادات وكرمهم”.
وبعد حرب النكسة حكي كيف هرع إلى وادي النيل، 850 شابا سيناويا، توجهو مباشرة إلى إدارة المخابرات الحربية بالقاهرة وقالوا ”نحن جاهزون لأي عمل يُطلب منا”.
”وُضع أمام أبناء سيناء ثلاث خيارات؛ الأول: جمع المعلومات عن العدو الإسرائيلي، والثاني: تصوير مواقع العدو في سيناء، والثالث: القيام بعمليات اعتراضية خلف خطوط العدو، وترك قادة القوات المسلحة لأبناء سيناء الحرية في اختيار أي عمل من هذه الأعمال الثلاث، ولم يُجبر أحد منهم على عمل لم يكن مقتنعا به”.
وعن حرب أكتوبر قال ”هي فضل من الكلام عجز الإنسان عن التعبير عنه باللسان فعبر عنه بالألحان”، واتبع ”فصدقني حرب أكتوبر فضل من الكلام لا يمكنا التعبير عنه باللسان حقيقة، لكني سأحاول تقريب المشهد”.
وحكى قصة عن وقعت في يوم 4 مارس سنة 1974 حينما ”قرر قادتنا الكبار القيام بزيارة لمقبرة الشهداء بالقنطرة شرق. ذهبنا ووجدنا على كل قبر مربع خشبي مدون عليه الرتبة والاسم – ملازم فلان الفلاني، ملازم أول فلان الفلاني، نقيب فلان الفلاني، رائد فلان الفلاني، عقيد فلان الفلاني – أخذنا نحسب عدد الضباط الذين استشهدوا في العمليات مقابل عدد الجنود فوجدنا النسبة 4 ضباط مقابل جندي.”
”يا هل ترى ما الذي جعل النسبة معكوسة؟”، سأل الحاج حسن نفسه ورد بالقول ”إنه أمر بسيط لأن الأمر الذي أصدره الضباط للجنود ساعة العبور كان: ‘اتبعونا’؛ حيث كان الضباط في مقدمة الصفوف على خط المواجهة مباشرة”.
”وقفنا نتذكر، بالأمس كنا غرب قناة السويس ننظر إلى سيناء من خلال المناظير والآن نقف على أرض سيناء ولا آثر للعدو (الإسرائيلي)، اللهم إلا هذه الأجساد المباركة التي يواريها بعض التراب. استشعرنا وقتها أرواحهم تحلق فوق رؤوسنا وتقول لنا لقد سلمناكم الأمانة فلا تضيعوها”.
وسجل البطل حافل بعشرات العمليات التي شارك فيها روحا وجسدا، ولم ينل الشهادة في ساحة المعركة ، أو في ميدان الجهاد لتحريرارض سيناء الغالية ،لكنها نالها مرتبة الشهداء في قلوب الناس حبا وتقديرا لخلقةالرفيع وتواضعه الجم وتفانيه في سبيل رفعة وعزة وطنه، وبإذن الله ينال درجتها بالفردوس الأعلي مع الصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.