»»
نحن في عصر الذكاء الاصطناعي كحقيقة دهرية مشهودة فرضتها منجزات البحث العلمي والتكنولوجيا، وهي حقيقة لا تقبل الجدل بل التعايش والاستيعاب لتحقيق أقصي درجات الإفادة والنفع.
ورغم محاولات البعض تسليط الضوء علي الوجه المظلم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإمعان النظر في حاضره واستشراف مستقبله، وربما المبالغة أحيانا في التخوف من مساوئه،والتحذير من شروره ،إلا أنه يظل علي قمة ما أبدعته عقول بني البشر ،ومؤشرا للتقدم التكنولوجي الهائل منذ بدايات القرن الواحد والعشرين.
وكما أن البعض يرمق المستقبل بعيون الريبة والقلق ونظرة تشاؤم مع انتشار تقنيات هذا الذكاء “الموازي” وبرامجه في مختلف مناحي الحياة العلمية والعملية والتعليمية ،لكن الفيصل يبقي في التوظيف الأمثل لأدواته وبرامجه لخدمة الحضارة الإنسانية في مختلف أرجاء المعمورة.
وفي أرض الكنانة، ومع عصر الجمهورية الجديدة وتحقيق منجزات فعلية نحو التحول الرقمي الشامل ومواكبة متطلبات العصر، أتصور أن للذكاء الاصطناعي دورا مهما في تطوير منظومة تطوير التعليم بكافة عناصرها المحورية.
ولاريب أن توظيف الآليات لبرامج وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة سيضيف مزيدا من الفاعلية لعناصر التطوير والتحديث داخل المنظومة التربوية والتعليمية، حيث يسهم عالم الذكاء الاصطناعي الموازي بصورة مباشرة وغير مباشرة في تطوير العملية التعليمية،وبناء كفاءات بشرية وجدارات تتواءم مع احتياجات سوق العمل والنظم العصرية الإدارية المتطورة ،حيث تشمل برامج الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي علوم معالجة البيانات ونظم المعلومات،هندسة البرمجيات، الحوسبة المعلوماتية الحيوية؛وغيرها من خلال برامج تعليمية متطورة تسهم في الارتقاء بالبحث العلمي بشقية النظري والتجريبي الموجه لخدمة المجتمع العام ،والمجتمع المعرفي.
ولو تفحصنا لأهم العناصر البشرية لمكونات النظام التعليمي سيأتي الطلاب بمختلف المراحل والمعلمين بمختلف التخصصات التعليمية.
ووفقا لمتطلبات تحديث نظم التعليم والتعلم فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستسهم في النهوض ببرامج إعداد المعلم وتطوير مهاراته الأساسية ،إضافة لتحسين كفاءة المعلّمين عند استخدامه استخداما صحيحا، حيث تكون لديهم القدرة على فهم المعلومات فهما أفضل، وعلى زيادة وعيهم وثقافتهم.
كما توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي أنماطا متعددة وخيارات متنوعة للنهوض بالمنهج الدراسي وتحديثه بصفة مستمرة ،والارتقاء بنظم واستراتيجيات التدريس وتعزيز الانشطة الإبداعية والإبتكارية ،وتطوير نظم التقويم الشامل وتوفير آليات للتعليم عن بعد والتعليم الهجين إبان الأزمات والجوائح،علاوة علي إتاحة منظومة متكاملة للنهوض بمحددات الإدارة التعليمية،وتهيئة مناخ تعليمي عصري وتدشين أبنية تعليمية ذكية وصديقة للبيئة.
وفي هذا السياق هناك أفكار لا حصر لها توفرها تقنيات الذكاء الموازي لتطوير الكتاب المدرسي والتحرر بصور تدريجية من صورته الورقية، واستبداله بإسطوانات مدمجة متطورة أو شرائح تعليمية ذكية.
كلها محددات داعمة لتطوير المناخ التعليم العام ،كما يسهم دمج الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، في تحويل تغيير أنماط عمليّة التعلّم وتحسين نتائج الطلبة ،ورغم وجود مزايا وعيوب محتملة لاستخدامه، تشير الأبحاث إلى أنّ الذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يؤدّي إلى تطوير أداء الطلبة ومشاركتهم بفاعلية في مختلف عناصر المنظومة التعليمية.
وفي هذا السياق أجملت سحر معين درويش الباحثة في المجال التربوي والنفسي عددا من أوجه توظيف الذكاء الاصطناعيّ في التعليم ،وذلك في منصة مجلة “منهجيات” المتخصصة في العلوم التربوية عبر النقاط الآتية:
– تقييم الطلّاب تقييما فوريا ورصد درجاتهم، لمساعدتهم في تطوير أدائهم الدراسيّ.
– تقديم التغذية الراجعة الفوريّة والمستمرّة للطلّاب.
– إتاحة وكلاء افتراضيّين لمساعدة الطلّاب، وإفادتهم بالإجابات الصحيحة.
– تحسين جودة التعلّم، وذلك بتحديد صعوبات الطلّاب بالتدريبات والاختبارات، ممّا يوجّههم إلى شرح أجزاء محدّدة من المنهج والتركيز عليها أكثر.
– توفير تعلّم تكيّفيّ لمساعدة الطلّاب على إحراز التقدّم المطلوب بتعليمهم تعليما فرديا، وتقديم تقارير مستدامة حول مختلف أوضاعهم الدراسيّة ونتيجة تعلّمهم.
– قدرته على تخصيص تجربة التعلّم، حيث يمكن لخوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ تحليل بيانات الطلبة لتحديد نقاط القوّة والضعف الفرديّة،وتطوير خطط تعلّم مخصّصة ومصمّمة وفق احتياجات كلّ طالب.
– أتمتة المهمّات الإداريّة، مثل الدرجات والتقييمات، ومنح المعلّمين الوقت للتركيز على التعليم وتقديم الملاحظات.
– تعزيز مرونة اتّخاذ القرارات وإنجاز المهمّات ،حيث تتميّز هذه النظم بإتاحتها للطالب ممارسة المهارات في بيئات تعليميّة وتفاعليّة، وبالإجابة عن استفساراته وتساؤلاته، وتقديم الإرشاد والتوجيه الفرديّ له، وإيجاد حلول لمشكلاته التعليميّة، فضلًا عمّا تتميّز به من سهولة الاستخدام، وما تقدّمه من دعم للتواصل الأكاديميّ.
– كما تساعد التطبيقات والبرامج الذكية في توزيع الخبرة البشريّة لصنع القرارات الجيّدة وتوفير الوقت والجهد، وتقدِّم وسيلة مناسبة لمعرفة الأخطاء وإصلاحها، بالإضافة إلى ما تتميّز به هذه النظم من مساعدة الطالب على التركيز والتميّز والسرعة في التعلّم والإبداع، بحفظ سجلّات أداء المتعلّم أثناء تفاعله مع بيئة التعلّم.
– يتضمن روبوتات المحادثات تطبيقات مبرمجة يحفِّز التعلّم، ويقدم مساعدات رقميّة تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعيّ، ويقدِّم المساعدة للطلّاب، ويمكنه الردّ تلقائيّا على استفساراتهم بلغتهم، ويسمح لهم بالتفاعل كما لو كانوا يتواصلون مع فرد حقيقيّ.
من المتوقّع أن تتمكّن روبوتات الدردشة من الإجابة عن الأسئلة بطرق متعدّدة، اعتمادا على من تتحدّث إليه، حتّى يتمكّنوا من العثور على تفضيلات الطلّاب بمرور الوقت، فهي توفِّر شكلًا من أشكال التفاعل بين الطلّاب وبيئة التعلّم، ويجري الحوار باستخدام الكتابة النصّيّة والرسائل الصوتيّة، والأسئلة التي تُطرَح عليهم تظهر إجاباتهم كما لو كانت صادرة عن شخص حقيقيّ، ومصمَّمة للعمل من دون تدخّل بشريّ.
– التعلّم المخصَّص يمكن استخدام خوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ لإنشاء مسارات تعلّم مخصَّصة لكلّ طالب، استنادا إلى نمط التعلّم والسرعة الفرديّة الخاصّة بكلّ منهم.
– أنظمة التعليم الذكيّة تمكن الطلّاب من التعامل مع المعلّمين الافتراضيّين المدعومين بالذكاء الاصطناعيّ لتوفير المساعدة المخصَّصة للطلّاب، والإجابة عن أسئلتهم وتقديم الملاحظات في الوقت المحدّد.
– التقييم الآلي.. يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يقيّم التمارين والاختبارات والواجبات الدراسيّة تلقائيّا، ممّا يوفِّر وقت المعلّمين للتركيز على مهمّات أخرى، مثل تقديم الملاحظات ودعم الطلّاب الذين يواجهون صعوبات.
– المحتوى الذكيّ ..يمكن للذكاء الاصطناعيّ إنشاء مواد تعليميّة متخصّصة، مثل الكتب المدرسيّة والفيديوهات، استنادا إلى تفضيلات الطلّاب، وما يناسبهم من أساليبَ تعلّم .
– توصيّات الدورات التعليميّة حيث يمكن للذكاء الاصطناعيّ المدعوم بالخوارزميّات أن يوصي الطلّاب بالدورات التعليميّة والمواد، استنادا إلى أهدافهم الأكاديميّة واهتماماتهم.
– تحليلات التعلّم،حيث يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل كمّيّات كبيرة من بيانات أداء الطلّاب لتحديد الأنماط والاتّجاهات، ممّا يمكِّن المعلّمين من تحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى تحسين أساليبهم التعليميّة.
– المساعدون الافتراضيّون المدعومون بالذكاء الاصطناعي،ّ يساعدون الطلّاب في مهمّات الجدولة وادارة الوقت والتنظيم.
– التنبّؤات التحليليّة.. يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل بيانات الطلّاب للتنبّؤ بأدائهم الأكاديميّ المستقبليّ، ممّا يتيح للمعلّمين التدخّل مبكرا إذا لاحظوا علامات صعوبات تعلّم أو تعثر لدي طلّابهم.
– تعلّم اللغات.. يمكن لأدوات التعلّم المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ مساعدة الطلّاب في تعلّم لغات جديدة، وذلك بتحليل نطقهم وتقديم الملاحظات.
كما أكدت العديد من الدراسات المردودات الإيجابية لتأثير استخدام الذكاء الاصطناعيّ في أداء الطلاب، حيث بيّنت أنّ الذين استخدموا نظام التعلّم القائم على الذكاء الاصطناعيّ كان أداؤهم في التقييمات أفضل من الطلبة الذين تلقّوا تعلما تقليديا.
كما أنّ خطط التعلّم التي طُوِّرت باستخدام الذكاء الاصطناعيّ أدّت إلى تحسين مشاركة المتعلمين وتحفيزهم بصورة أكثر فاعلية.
وختاما ..يجب أن يتنبه القائمون علي اعتماد هذه التطبيقات الذكية والمبرمجون لمراعاة الأبعاد الإنسانية والفكرية وفقا لمنظومة القيم،واستلهام خصوصية المجتمع وهويته ، واستيعاب طموحاته ،واﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ التنويرية والمعرفية والتربوية.