»»
مما لا يقبل الجدل والمهاترات وكثرة المراء محاولات البعض التشكيك في هوية مصر العربية منبع الحضارة وحصن العروبة والإسلام الوسطى المتسامح، فهذا هو حال المرجفين إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها!.
ومما يدفع كثيرا من آثار هذه الدعوات والقناعات الشاذة، أنها تصدر من قلة أو من نخب متعصبة تعاني من أفكار متحيزة ومضللة، جانبها الصواب في فهم وإدراك الواقع ومعطياته ومن ثم إطلاق الرؤي الموضوعية والأطروحات المستقبلية الصائبة.
لقد استحقت مصر المحروسه وأرض الكنانة عن جدارة لقب “أم الدنيا” ومنبع الحضارة وحاضنة كل من يلجأ إليها طالبا للأمن والأمان، محتميا بها، و بكرم وسماحة أهلها ودفء وطيب وفادتهم.
ولا يختلف اثنان من عقلاء بني البشر علي تميز الهوية الوطنية المصرية، وعراقتها التي تجمع مابين الأصول العربية والإسلامية والقبطية، علاوة علي محدداتها الحضارية الفرعونية، علاوة علي هويتها الإفريقية كعروس للقارة السمراء الجميلة بمفهومها البديع كأرض الخصب والنماء، لا بالمفهوم العنصري الغربي المتحيز!.
وأري ألا نلتفت كثيرا لما يثار من وقت لآخر من محاولات يائسة، وخبيثة يشعلها بعض المغرضين علي منصات التواصل من معارك حول الهوية الحضارية لمصر، ويحاولون عبثا تمييع توصيف الهوية المصرية وتحجيم روافدها وخصائصها المتعددة. ومن بين هذه الدعوات الشاذة نشر بعض المرجفين المتفيقهين منشورات تحت شعار “أنا مصري مش عربي”، وطبعوها علي آلاف “التيشيرات” والهدايا، وأقل ما توصف به أنها دعوات سخيفة وغير مسؤولة، ولا تدرك أبعاد هذا التفكير المحدود، ضيق الأفق والفهم والتطلعات.
ولا أدري سببا مفهوما وراء نشر مثل هذه الترهات الداعمة التفتيت والتقوقع، تحت ستار حفظ الهوية، ومن يحاول غرس الفتن في هذا التوقيت وسط هذا الأزمات وتلك الظروف والمتغيرات المتسارعة.
ولا ريب ورغم كل التحديات، فمصر ستظل أم الدنيا وأصل الحضارة الإنسانية، والشقيقة الكبرى لكل دول العرب ومنارة العلم والعلماء ورمانة الميزان، ولن تتخلي عن مسؤولياتها ودورها التاريخي المحوري شاء من شاء وأبي من أبي.
ستظل مصر هى أول كلمة فى كتاب التاريخ، وأهم موقع فى كتاب الجغرافيا، وهي دولة فريدة وفائقة في مقوماتها وعناصر تميزها، لا تعرف إلا العظمة والشموخ والتميز في عالم الإنسانية قديما وحاضرا ومستقبلا.
ومن حقائق التاريخ التي لا تقبل الجدل أن مصرنا الحبيبة هي أقدم الحضارات وأعظمها على وجه الارض، فالإنسان المصري زرع الأرض واستقر على ضفاف النيل الخالد، وأستأنس الحيوانات قبل ما يزيد عن حوالى10 آلاف سنة، ودشن دعائم العمران و التنمية المستدامة التي تتوارثها الأجيال.
كما اشتبك المصريون سريعا مع الحياة مبكرا وبدأوا فى تأسيس الصناعات البسيطة، وكوّنوا إمارات اتحدت معا بوجهيها القبلي والبحري، وتبادلوا التجارة مع كل بلاد الدنيا عبر رحلات اكتشاف العالم القديم.
كما علمت الحضارة المصرية العالم بأسره فنون الكتابة، وتدوين المنجزات، وفنون النحت والنقش والتحنيط. كما تركت علوما في الموسيقى، والطب والفلك، والهندسة، والحساب، والكيمياء والعمارة، اعتبرتها المنظمات الدولية مصدرا أصيلا للحضارة البشرية كلها. وشواهدها ستظل شامخة تتزين آثارها بأهرامات ومسلات، ومعابدها الضخمة العتيقة، ويكفي أنها الدولة الوحيدة التي أسست لعلم المصريات في دنيا علوم الآثار.
ولا يعني أبدا التأكيد علي هوية مصر القديمة بحضارتها المتفردة، والتي ما تزال آثارها الساحرة تخطف القلوب إعجابا وتقديرا، لايعني الانسلاخ من هويتها العربية الإسلامية، والتي احتضنت رسالة النور، والهدى، وظلت زمنا مقبرة الطامعين في ثروات ومقدرات العرب.
وعبر تاريخها الحضارى الطويل، واجهت مصر العظيمة تهديدات عدة لطمس الهوية المصرية ومحاولات دؤوبة لمحوها من الوجود، بل والتشكيك في حضارتها، علاوة علي محاولات سرقة تاريخها وتشويه منجزات ملوكها.
وكمن يدس السم الزعاف في العسل المصفي، يسعي بعض المشككين لنزع الهوية العربية في توقيت حرج نحن أحوج فيه لإعادة ترتيب الأوراق والحسابات والرؤي الاستراتيجية لتدشين تكتل عربي متوزان في مواجهة أزمات، ونكبات العصر بكافة أبعادها الأممية في توقيت تستعد فيه القاهرة للانضمام لمجموعة بريكس، اتخذت فيه خطوات داعمة في هذا الاتجاه من دول عربية أخري لتصحيح المسار وتجنب آثار وتداعيات الأزمات وضغوط الدولار!.
وتسير القافلة للامام، وترتدي مصر من آن لآخر أثوابا عصرية أنيقة، تحفظ هويتها الأصيلة وعراقتها، ولن يفلح المرجف حيث أتي !.