»»
من الظواهر الإيجابية التي أضفت علي المجتمع المصري في الآونة الأخيرة جمالا خاصا، فكرة التعاون ،والتكافل الإجتماعي في أوقات المحن والنكبات، وتقديم يد العون لمحدودي الدخل ومساعدة البسطاء وسط هذا الغلاء المتصاعد وبلايا تداعيات، النزاعات الأممية وتشكيل النظام العالمي الجديد!.
كما أن فكرة تعزيز الوعي العام بهذه القضية،وتجميع أموال الزكاه والصدقات، وتشجيع أهل الخير ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني لعمل “كراتين” في مناسبات كشهر رمضان،وما بعده هو أمر يعبر عن أصالة شعب مصر ومعدنه الطيب، المفعم بجينات الشهامة والجدعنة والتكاتف في وقت الأزمات.
ولا ريب أن الجهود الشعبية تتكامل مع جهود الدولة في عبور هذه المرحلة الصعبة والوصول بالوطن لبر الأمان،لكن هناك من يتصرفون بحماقة لتشويه هذه الصورة المشرقة وتحويل مشهد ضبابي لا إنساني،ربما يرسخ الإحساس بالدونية و الحنق والضيق والضجر ،لا المودة والحب والتراحم.
أتصور أنه من الحكمة أن نحافظ علي سمو هذا البعد الإنساني ،وكرامة من نقدم لهم هذه المساعدات، بطرق تحفظ كرامتهم ولا تجرح مشاعرهم أثناء تقديم هذه المساعدات وفي سرية تامة ،وخاصة أمام أقاربهم وأبنائهم الصغار.
ومن أسوأ المشاهد التي أفسدت بهجة هذه المشاعر الانسانية النبيلة ، حرص بعض الأفراد والجمعيات والأحزاب علي توثيق هذه التجاوزات اللأخلاقية،وتصوير لقطات تسليم هذه الإعانات عن طريق الڤيديو وكاميرات الموبايل..
وأحيانا يقدم هؤلاء علي هذه الأفعال ، واستغلالا لفرحة الناس بهذا الخير ،بسيف الحياء دون استئذان ومراعاة لخصوصية الناس وظروفهم المعيشية،تمهيدا لنشرها علي شبكات التواصل، من باب إعلام الناس بأن جهة ما تشارك في عمل الخير دون إكتراث لما تسببه من أذي معنوي لدي قلوب البسطاء ،وفي لحظات تنقلب مبادرات جبر الخواطر إلي كسر للقلوب ووأد للعزة والأنفة !.
ومن المشاهد السلبية المسيئة أيضا إصرار بعض القنوات الفضائية علي عرض مشاهد من الحالات الانسانية المريضة المتأخرة، في محاولة لاستدرار تعاطف أهل الخير ،ومن ثم يقبلون علي المزيد من التبرعات دون مراعاة لآدمية هؤلاء وخصوصيتهم وأحاسيس ذويهم ،مما يستوجب وقفة من المجلس الأعلى للإعلام وخاصة في شهر رمضان.
وفي هذا السياق المؤلم وصلتني هذه الرسالة من إحدي رموز العمل الخيري بمحافظة دمياط تقول فيها:
(موضوع مهم جدا لكل الأخوة الذين يوزعون كرتونة الخير أنا لست فقيهة فى الدين ،ولكن والدتى رحمة الله عليها علمتنى أن الصدقة التى تخرج من اليد اليمنى لاتعلم عنها اليد اليسرى، فاليوم شكت لى سيدة فاضلة أن إبنتها تبكى بحرقة و”نفسيتها تعبانه جدا ” لأن البعض جزاهم الله خيرا بيوزعوا كرتونة الخير وأخرين قاموا بتصويرهم أثناء الذهاب إلى المنزل البسيط وقاموا بنشره على مواقع التواصل وأصدقاء البنت قالوا لها رأينا منزلكم وهما جايبين لكم كرتونة الخير ..
فرجاء “بلاش نجرح” ونكسر قلوب بريئة ليس لهم ذنب إنهم ولدوا فى أسرة بسيطة.. فالفقير التقى الأمين الصابر أول من يدخل الجنة إن شاء الله..
فرجاء لكل الأفاضل “بلاش نملي” البطون ونجرح ونوجع العقول والقلوب مدى الحياة.. فياإبنتى العزيزة ياحبيبتى لاتحزنى ولاتقهرى .. إصبرى واحتسبى الجزاء من الله لكى ولأسرتك وكلنا فقراء وبسطاء أمام الله وأنا من أسرة فقيرة ولكن كانوا أتقياء شرفاء وتركوا لى السمعة الطيبة الحمد لله)..
إلي هنا انتهت رسالة السيدة الفاضلة لعلها تصل لمن يهمه الأمر.
…
وتبقي فكرة إخلاص النية هي أساس العمل الصالح،وقد جسدتها تعاليم القرآن وآداب الإسلام الراقية بكل ما ما يحفظ للإنسان كرامته ومكانته وعزته وشموخه،حتي لو كان نصيبه محدودا من المال،أو كان فقيرا أو معدما.
وصدق الله العظيم :
( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة ٢٦٢-٢٦٣
وفي نصائح الرسول الكريم “صلي الله عليه وسلم” نبراس لمن أراد أن يقدم خيرا فلا تدري يمينه ما أنفقت شماله ،فمراتب السعادة والفرحة والطمأنينة جعلها الله للمخلصين الأتقياء الأنقياء، الذي يجبرون خواطر الناس بكل حب وأدب وتواضع ويتجنبون إيذاءهم نفسيا وبدنيا.
ومن نافلة القول أن الرياء والمتاجرة بآلام وجراحات الناس،من أهم أسباب إحباط العمل وغضب الخالق عز وجل ،وطرد فاعله من رضوانه ورحمته وفضله.
والخلاصة أنه لا بأس من النصح والحشد لفعل الخير، وتصوير مشاهد متنوعة لحجم التبرعات وقوافل المتطوعين، مع الحذر كل الحذر من نشر صور هؤلاء البسطاء.. ترفقا بهم وتقربا إلي الله بالعمل الصالح بلارياء أو سمعة،وبعيدا عن العدسات والشهرة الزائفة !.