»»
ومع شادية وأختها سحر، وستهم .. وبالطو وتاب..ووراء كل باب.. عرضت الدراما المصرية لحكايات وروايات اجتماعية جسدت مشكلات حياتية بحثا عن حلول عملية ،وربما روشتات العلاج الناجع !.
ولاريب أن ارتباط الفن بالواقع واستقاء نصوصه من بين سطور حياة الناس أمسي رسالة قيمية بروح عصرية تحمل مبتغيات سامية وأهدافا تربوية وإصلاحية، ربما تصحح المسار وتقوم إعوجاج الخط الدرامي خلال السنوات الأخيرة!.
إن تسليط الضوء علي قضايا مجتمعية ونماذج من واقع الحياة في سياق درامي هادف، يعود بنا تدريجيا لزمن الفن الجميل ،بعد أن سئم أهل المحروسة من دراما العنف والإثارة والابتذال ،وتوصيف العلاقات الاجتماعية المتهرئة والشاذة والاستخفاف بعقول الناس!.
ومن بين طيات خريف الدراما المصرية ،تبزغ ومضات أمل وبريق بعض الأعمال الجيدة التي تؤشر لعود حميد للدراما لو صفت النوايا ، مع الإرادة الصادقة، وعزيمة الإصرار على الريادة والنجاح والتميز..
في هذا الاتجاه جاءت العودة القوية للدراما الوطنية ،كما حقق مسلسل (ورا كل باب) ، خلال العامين الماضيين نجاحا كبيرا،قدم سلسلة من الحكايات المتنوعة المنفصلة في قالب الدرامية الاجتماعية ،حيث ناقش العديد من القضايا والمشكلات الواقعية عايشناها كثيرا ،وما زلنا نراها في حياتنا اليومية!.
ومن دراما الموسم الرمضاني الحالي ،وسط هذا الزخم الكبير جاء مسلسل “ستهم” للمؤلف
ناصر عبدالرحمن بطولة النجمة “روجينا”، وتدور قصة “ستهم “في إطار إنساني اجتماعي مأخوذ من قصص حقيقية لأربعة سيدات مُكافحات حصدن إشادات مجتمعية كبيرة.
منهن سيدة من الأقصر ارتدت ملابس الرجال في إعلان للتحدي ومجابهة صدمات الحياة والإصرار علي النجاح،وأخري تعمل في مصانع الطوب بمحافظة الدقهلية، و”الأسطى أم فارس” كهربائية تأسيس وتشطبيات، بجانب “بهية” بني سويف التي اضطرت للعمل في مهن شاقة، بعد تعرض زوجها لحادث وباعت كليتها مقابل 25 ألف جنيه لكي تسدد ديونها!.
ويعرض مسلسل “ستهم” قصة المعلمة عفاف التي ارتدت الجلباب الصعيدي، وحصلت على شهرة واسعة في مجال التجارة لتنافس كبار التجار..
كما يرصد “ستهم” رمزية كفاح المرأة المصرية في صراع الحقوق والواجبات،حتي استحق إشادة د.مايا مرسي رئيس مجلس القومي للمرأة.
ولعل أهم النقاط الإيجابية المضيئة للعمل الدرامي أنه يسطر رسائل ربما توقظ ضمير المجتمع حول قضايا المواريث وحقوق المرأة ،فما تزال تلك القضية من القضايا المعقدة ومتشابكة، ولها أبعاد اجتماعية وارتباط وثيق بالعادات والتقاليد في بعض البيئات.
وقد قطعت الدولة شوطا كبيرا في سن قوانين لحماية المرأة المصرية وإثبات حقها في الإرث، لكن ماتزال بعض النفوس الضعيفة في مختلف ربوع مصر يتفنون في الإفلات من إنفاذ شريعة الله وتحقيق العدالة الإلهية بطرق ملتوية ، بل وينكرون علي المرأة حقها الطبيعي في أن ترث والديها وأن يكون لها ذمة مالية منفصلة.
وبعيدا عن القناعات الخاطئة الموروثة ،والفهم المغلوط لأحقية المرأة في الميراث تبقي القاعدة الشرعية هي الأساس ،والتي تراعي الأبعاد الاجتماعية والإنسانية المحصنة،الضامنة لاستقرار المجتمع والأسرة .
وضمن عروض مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والذي اختتم فعالياته مؤخرا عرض فيلم “شادية وأختها سحر ” للمخرج أحمد فوزى صالح ،وهو رصد واقعي استقاه من خزان طفولته، ومعايشته لشخوص عمله، حيث جذبته حكايات لسيدات بسيطات ،متأثرا بخيرى بشارة فى فيلم “يوم حلو ويوم مر”.
وقد بدأت فكرة الفيلم منذ أكثر من 17 عاما، حيث كان المخرج وزميله شادى عبدالله، جيران لأبطال الفيلم فى نفس العمارة، أثناء الدراسة بمعهد السينما وبدأ التصوير عام 2017، حتى العام الماضى 2022.
وقد إختار مخرج العمل بطلات الفيلم، لتسليط الضوء علي حكايات البسطاء الذين يعيشون، بلا يأس وأحيانا بلا أمل !.
وتدور أحداث فيلم “حكاية شادية وأختها سحر” في منطقة شعبية حول “شادية” و”سحر” سيدتان مطلقتان وتعولان عددا من البنات، ويستعرض الفيلم أحلامهما البسيطة، ومحاولات تحقيق الحياة الكريمة لبناتهن ،في الوقت الذى تنصل آباؤهن من المسؤولية، وتحا أروى إبنة “شادية” وتحاول أروي تحقيق حلمها فى التمثيل، وفى ذات الوقت ترفع قضية نفقة على والدها، وطوال الفيلم يماطلها المحامى الخاص بها.. وتتابع الأحداث!.
وحول متاعب وهموم الأطباء عرضت بعض المنصات والفضائيات مسلسل (بالطو وفانلة وتاب) عن رواية من تاليف د. أحمد عاطف فياض وهو طبيب شاب يحكى فى روايته أحداثا حقيقية مر بها أو عايشها فى بداية حياته العملية.
وفي قالب كوميدي جسد الفنان عصام عمر الذى قام بدور الطبيب حديث التخرج “د.عاطف” المتاعب والمشكلات التى تواجه شباب الأطباء بمجرد ارتداء البالطو الابيض .. ويلفت المسلسل بشدة انظار المتابعين إلي أن حياة الطبيب فى بداياتها ليست حياة ممتعة كما يتخيل الكثيرون.
وتنبع أهمية المسلسل من تسليط الضوء في إطار كوميدي علي قضية معاناة شباب الأطباء في بداية حياتهم العملية ،وهو ما تزامن مع اتجاه الدولة لاتخاذ خطوات فعلية للنهوض بملف شباب الأطباء،بعد اضطرار إعداد كبيرة منهم للهجرة وتقديم استقالتهم بحثا عن فرص حياة أفضل !.
أتصور أنه ،ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية ،وفي زمن اختلط فيه الحابل بالنابل نتيجة تراجع القيم والكثير من المباديء الأخلاقية، تتضاعف مبتغيات الرسالة القيمية للدراما بكافة روافدها وصورها.
كما أري أن للدراما بكافة ألوانها دورا فعالا في معالجة الواقع،وإدراك مشكلاته برؤي متوزانة بعيدا الرمزية المفرطة والمبالغة في تجسيد ورصد المسالب والمقابح ،وتصوير المجتمع ،كأنه مجموعة من الانتهازيين والمستغلين والمغرضين.
هذا إضافة للارتقاء بالذوق العام ،والاهتمام بتسليط الأضواء على النماذج المجتمعية المبدعة ،والعودة لنصرة فكرة الخير الغالب علي قوي الشر المحدودة،والتي كانت الأساس القوي للخط الدرامي لفنون الزمن الجميل.
ومواكبة للتطورات الهائلة في مكونات عناصر الأعمال الفنية والدراميةوإنتاج البرامج أعتقد أننا في حاجة لإعداد كفاءات وجدارات قادرة علي التغيير ،وتأهيل كتاب ومؤلفين جدد وعقد دورات تدريبية خاصة للمخرجين وكافة أطقم الإنتاج وفرق العمل لصناعة فن متميز وواقعي.
ويظل الفن المبدع الهادف المغلف بالإطار القيمي مرآة صادقة لما يموج بالمجتمع من مشكلات وأزمات وأحداث ،فهو أحد أهم روافد التعبير والقوي الناعمة للتواصل والتربية والإقناع وبناء المجتمع الإيجابي.. ورغم كل المحن فما تزال الأفئدة تطمح لغد أكثر إشراقا وجمالا.