»»
إطلالة أدبية جديدة للأديب الروائي أحمد رفاعي آدم ،في ثياب قصة قصيرة ،وسمها بعنوان “زفة يناير”، شارك بها مؤخرا في المسابقة الأدبية الاقليمية التابعة لقصر ثقافة الاسماعيلية،وفازت
بالمركز الثالث ،وتنشرها منصة المساء أون لاين عبر هذه السطور..
يذكر أن الأديب الشاب أحمد رفاعي آدم قد صدر له مؤخرا روايته “الحرزاوية. ملحمة الأرض والعرض”،عن دار لمار للنشر والتوزيع ،ومن قبلها مجموعة قصصية تحت عنوان “مغترب مع سبق الإصرار”.
🍂
زفة يناير..!!
رغم أن حياة المدينة صاخبة بفطرتها إلا أن مدينتنا الساحلية تشذُ عن تلك القاعدة فهي على اتساعها وترامي أطرافها هادئة وفي كثير من الأحيان ساكنة حتى ليُخيل للماشي في بعض شوارعها البعيدة عن الساحل أنها بلا سكان. ولذلك كانت تلك الواقعة بمثابة صدمة العمر لسكان المدينة فقد ذُهل الناس بما حدث لدرجة أن غالبيتهم لم يُفِقْ من الصدمة إلا بعد أسبوع. ولو أن أسوأ المتشائمين تنبأ بما وقع لما بلغت نبوءته معشار ما حدث بالفعل.
البداية كانت بفيديو لم يتعد الدقيقة على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي يظهر فيه شاب في بداية عقده الثالث وهو يتحدث بنبرة أقرب للبكاء حديثاً موجوعاً مفادُه أن قريبةً له يتيمة قادمة من أقاصي الريف في فستان الزفاف بلا رفقة لذلك يرجو المُقتَدِرين ممن لديهم سيارات أن يحضروا زفتها جبراً لخاطرها يوم كذا من أمام محطة القطار.
وإذا مسَّ الأمرُ جبرَ الخاطرِ فلا تتعجب فإن له في قلوب العباد لسحراً.
واللهُ يعلمُ مدى صدق نية الشاب لكن الفيديو انتشر في الفضاء بسرعة البرق. حتى إذا ما أتى يوم الزفة وفي الساعة التي ذُكرت في الفيديو تفاجأ الناس بعشرات السيارات والدراجات النارية تصطف أمام المحطة في منظر مهيب جذب الأنظار، وتناقل الناس الخبر فانتشر في أنحاء المدينة وإذا بالوفود تزحم مدخل المحطة وبهوها وأرصفتها حتى لا تكاد تجد موضعاً لقدم إلا وفيه جماعة يغنون أو يرقصون. وما إن ظهر القطار من بعيد حتى هاجت الصفوف وماجت وعلت الصيحات والهتافات واختلطت بالزغاريد وأطبقَ الزحامُ على المكانِ كأنها ثورةٌ شعبية.
توقف القطار على رصيف نمرة ١ وصاح مناد بأعلى صوته أن العروس تركب العربة “رقم ٢٥ مكيف” فاندفعت حشود المتحمسين وأغلبهم كان من الشباب فطوقوا بابي العربة ومنعوا صعود المسافرين ريثما تنزل العروس التي ما إن أطلت من الشباك ورأت المشهد المهيب حتى غمرتها فرحةٌ غير أرضية وعقدت لسانها دهشةٌ مجنونة ففجرت ينابيع الدمع في مآقيها. فجأةً صدحت أغاني العُرس من سماعات دي جي محمول على عربة حقائب يقف خلفها شاب له شعر طويل مضفر وانخرطت الجماهير تصفق بحرارة، حتى سائق القطار لم يتمالك نفسه فأطلق أبواق القطار تشارك الجموع الغفيرة فرحتهم الطاغية بنغمة عجيبة اهتزت لها الجدران.
دام الوضع على تلك الصورة الثورية مدة ليست بالقصيرة كادت معها حركة القطارات أن تتعطل لولا ستر المولى. وبمعجزة خرجت العروس الباكية في فستانها الأبيض من المحطة لتفاجأ بالركب في انتظارها والكل يتسابق لتهنئتها عارضاً سيارته لتقلها وزوجها الذي كان في انتظارها بدهشةٍ لا تقل عن دهشتها.
أخيراً اتفق الجميع على ركوبهما في السيارة الأولى اختصاراً للوقت ومنعاً للازدحام الذي كاد يغلق الطريق الرئيسية. بركوب العروسين تحرك الموكب في مشهد أسطوري لزفة لم ولن تتكرر في أنحاء المدينة بل وربما البلد بأكملها. انطلقت الزفة في منظر أقل ما يوصف به أنه ملكي وملكته المتوجة هي تلك الفتاة اليتيمة المسكينة التي ما كانت تحلم بالزواج قط فضلاً عن زفة بهذه الطريقة.
في ذلك اليوم عرف الجميع أن قلوب العباد تنبض بالشفقة وأن الدنيا لا زالت بخير.
لكن ما لم يعرفه أحد هو أن ٢٠ كيلو هيروين ام تهريبهم في الزحام، وأن ماكينة ال ATM كُسرِت بحرفية شديدة وسُرِقت محتوياتها، كما أن ٣ أكشاك خشبية بنيت في لمح البصر على الأرصفة الخلفية، ناهيك عن حالات التحرش التي حطمت الرقم القياسي!.