لم تغمض عيناي ليلة أمس ،لأنني بت أسمع في الشقة الملاصقة لي إمرأه تتألم وتصرخ وعلمت من خادمتي أنها تعاني مرضاً أليما وهماً ثقيلاً ،فلما أصبح الصباح واشرقت السماء بنورها علي الأرض ذهبت إليها وطرقت الباب وفتحت لي فتاة صغيرة مرسوم علي جبينها الحزن والشقاء وهرولت ألي حجرتها ودنوت منها رأيت إمرأة عجوز مسدلة علي سرير بال كأنه شبح مائل من اشباح الموتي، وعندما رأتني حركت شفتيها اهلاً بك، ومسكت يدها سيدتي ما خطبك؟ أنا مثل ابنتك .
حبيبتي زوجني ابي وكنت صغيرة من رجل مزواج، ولو كان الأمر بيدي لأحسنت الأختيار لنفسي ،ولكنني كنت عاجزه ،أستقبلني في البدايه بأحسن ما يستقبل به الزوج الكريم حبيبته،ولكني كنت اخافه وارتعد من نظراته الثاقبة لي،كانت نظراته كأسد يخطط لإلتهام فرسيته، وكنت انتظر يوم الفراق كما ينتظر القاتل يوم القصاص.
وانجبت ابنتي الأولي وما كدت أن افيق إلا وعلمت خطبته من فتاة صغيرة أخري وأصبحت وحيدة لا مؤنس لي وحملت طفلتي ورجعت لحضن أمي طفلة تحمل طفلة،ومضي إلي سبيله .
فلم أري سبيلاً إلا العمل ،فلبست بضع ستين ساهرة الليل قائمة النهار اجتهد لجلب قوت يومي حتي بلغ مني الجهد،حتي أصابني المرض خرجت كما ترين كل كسوة وأنية وأصبحت لا أملك شيئاً،.
وها أنا اترقب نهايتي يا ابنتي وسمعت لها حتي حشرجت أنفاسها ودنوت منها ودعوت الله أن يعينها علي أمرها ،ويمدها برحمته وإحسانه-واستغرقت في هذا المشهد وقاومت دموعي التي ازدحمت في عيني ورأيت شبحاً يحمل طفلة صغيرة فتقدمت إليه فرأيته وجهاً مريحاً طيباً ،رأيته ينظر إلي الصغيرة نظرات حانية ورأيت الفتاة المسكينة كالخرقة البالية.
فقلت له من انت ؟ فقال أنا والدها فقلت له ((لعلك جئت تستغفر هذه الضائعة التي رمتها بين انياب اسد له شفقة في قلبه ولا رحمه))
وقال لي إن والد الطفله أتي إليه نادماً يريد الصفح والعفو من زوجته،فالطفلة الصغيرة لا تكف عن البكاء منذ فراق والدتها وتهتف بإسمها في نومها ويقظتها، واتي الأب والدموع تخترق عينيه ودنا من زوجته حبيبتي لقد عاقبتي الله اشد العقاب فلننسي الآلام والأحزان ونطير سوياً إلي عالم غير هذا العالم ونربي ابنتنا بيننا وفي احضاننا .
واحتضنت الأم طفلتها كأنما كانتا مع موعد من السعادة وعاشت الأم والأبنه حياة كريمة وتغير الزوج وأصبحت الأم والأبنه نبراس حياته .