بقلم ✍️ د.خالد محسن
أثار النجاح الذي حققته النسخة العربية بمونديال قطر ،والذي التحف بثياب قيمي أصيل حفيظة بعض المتعصبين والموتورين من أهل الغرب من عشاق تفوق الجنس الأبيض،وثلة من أنصار الفكر الشاذ دعاة التحرر والإباحية والانحلال.
وكما هو الحال في دنيا السياسة والاقتصاد والتفوق الحضاري ،يحرص أبناء الغرب علي اصطناع أزمات الهوية،و إبقاء مسافات مصطنعة مستقاه من مخزون ثقافي وإرث استعماري خبيث!.
ولا عجب فالتفرقة صنعها الاتحاد الدولي لكرة القدم “ڤيڤا”عبر تاريخه ومن المنبع بتقليص عدد الفرق الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا الجنوبية المشاركة في نهائيات المونديال.
واتصور أنه سيعيد حساباته من جديد،بعد هذا النجاح الفائق لهذه الفرق ،والذي شهدته هذه النسخة العربية التاريخية،وغير المسبوقة.
وقد أثأر ارتداء ميسي العباءة الملكية العربية،رمز الأصالة والعراقة حفيظة ثلة من المتعصبين من نخب الغرب ،التي تبدي زورا وبهتانا شعارات التسامح وحقوق الإنسان لكنهم عبثا يحيون في وهم ترهات المسافات الحضارية بين الغرب المتحضر والشرق المبعد عن ركب الحضارة بفعل فاعل ،ولو سار قليلا أو تقدم خطوة في موكبها كان مصيره الرفض والاستهجان، والكبر والتعالي !.
لن ننسي تجاوزات قضاة الملاعب وحكام الغرب حتي لا تصل هذه الفرق الصاعدة لمنصة التتويج وتزاحم الكبار، ولعل النموذج الأسوء علي المستوي الرياضي شاهدناه عام 2001 في بطولة العالم لكرة اليد في مباراة قبل النهائي بفرنسا حين حرم طاقم التحكيم الغربي عيانا جهارا المنتخب الوطني المصري من الوصول للمباراة النهائية، أوحتي إحراز برونزية العالم!!.
والرد الإيجابي للرد علي المتطاولين جاء سريعا عبر الحساب الرسمي لمنتخب الأرجنتين علي موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حيث نشر صورة اللاعب ليونيل ميسي، أثناء قيام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إهدائه العباءة السوداء الشفافة والتي، ارتداها أثناء وقوفه على منصة التتويج ،وكتب تعليقاً على الصورة: “بالتأكيد ملك” وذلك فخراً بهذه اللحظة التاريخية لكرة الأرجنتين والأسطورة ليونيل ميسي في تحقيق حلم التتويج بلقب كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخ “التانجو” بعد غياب 36 عاماً منذ الفوز بلقب مونديال 1986 في المكسيك بقيادة الراحل دييجو مارادونا.
لكن لماذا انزعج هؤلاء المتعصبين من ارتداء ميسي للعباءة الملكية ، أو ما يطلق عليها عباءة”الوجهاء” كرمز للهوية العربية وتعبيرا عن السماحة ودعما للتواصل الإنساني الحضاري؟! ،وقد ارتدي النجم البرازيلي بيليه القبعة المكسيكية في لقطة شهيرة بمونديال ١٩٧٠، ولم يضجر أحد!
هل كانوا يتطلعون أن يرتدي ميسي شارات عنصرية،أو شارات الشواذ التي حارب فريق ألمانيا عبثا أن يتزين بها أثناء خوض مبارياته بدوري المجموعات بالمونديال.
وبعد هزيمة داعمي الشواذ بكأس العالم يبدو أن “البشت “العربي استفز وحرق أعصاب هؤلاء، رغم فخر الأرجنتين عبر موقعها الرسمي بارتداء ميسي عباءة العرب!
كما نشرت صحف غربية تقارير وتعليقات للبعض، أبدوا عدم إعجابهم بهذه اللقطة، إذ نشرت صحيفة “تليغراف” البريطانية تعليقاً بأن ارتداء ميسي للبشت الخليجي، هو إفساد لهذه اللحظة التاريخية أثناء توجهه لاستلام كأس العالم.
بينما علق لاعب منتخب إنجلترا السابق قائلاً “إن هذا يعد قلة احترام”، كما قال نجم ألمانيا السابق مايكل بالاك “إن هذا يعد استغلالاً للنجم الأرجنتيني”.
وعلق بابلو زاباليتا لاعب منتخب الأرجنتين السابق: “لماذا؟.. لا يوجد سبب لفعل ذلك”.
ومن جانبه علق باستيان شفاينشتايجر لاعب منتخب ألمانيا السابق، على اللقطة: “لم أكن أعتقد أنه كان أمرا جيدا، لقد أخذت لحظة كبيرة من اللاعب، أنت تلعب كرة القدم لرفع الكأس بقميص بلدك، لا أعتقد أنه سعيد بذلك أيضًا، في رأيي، لم يكن كأس العالم ناجحاً”.
وقال جاري لينيكر لاعب منتخب إنجلترا السابق، عن لقطة ارتداء ميسي للزي القطري: “بطريقة مخزية إنهم غطوا ميسي وهو يرتدي قميصه الأرجنتيني” !.
أما الإعلامي البريطاني روبرت كارتر، فقال ردا على النجم الإنجليزي جاري لينيكر : لو حدث وارتدى ميسي شارة المثلية الجنسية لأشاد به لينيكر وبقية المنزعجين لكن عندما ارتدى ‘البِشت” العربي ظهرت التغطية الإعلامية بشكل سلبي .. أمر مخجل وقبيح من قِبل شبكة BBC التي تدعي الحياد” !..
وبعيدا عن هذه المهاترات مابين مؤيد ومعارض ومتحفظ، فقد نجح العرب ونجحت قطر نجاحا باهرا ومشرفا في استحقاق تنظيم المونديال، ودافعت عن هويتها العربية وقيمها الإسلامية السمحة، فاكتسبت احترام العالم، ومثلت نقطة التقاء وتقارب بين الشعوب، فهنيئا لقطر التي صنعت التاريخ، والمجد لكل العرب وسحرت العالم، واستحقت عن جدارة تحمّل هذه الأمانة،وتكفي شهادات المنصفين من أهل المعمورة وعلي رأسهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وتبقي الدروس والرسائل في هذا النجاح الباهر المتكامل لهذا النسخة العربية، التي جمعت بين الحداثة والمعاصرة والتقدم والإبهار في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، مع الاحتفاظ بالقيم والمبادئ وإحياء التراث والجذور الأصيلة والمرجعيات الراسخة من دين وحضارة وثقافة ولغة وتقاليد.
كما يبقي التنظيم الرائع للمونديال ،والأداء الفائق المشرف لفريق المغرب أسود العرب والفرق العربية،ورسائل النجم العالمي محمد صلاح ورفاقه من المحترفين العرب ،كلها رسائل حضارية بهوية عربية تفتح ذراعيها للسماحة والتعايش والتواصل الإنساني رغم أنف الحاقدين..
وأتصور أن تجسير الفجوة بين العقول الشاردة والقلوب المريضة أمسي مهمة عصرية مهمة للقوي الناعمة ولمختلف الراوفد،والقنوات الثقافية، بعد أن عجزت لغة السياسة بأغوراها الفجة، فالثقافة والفن والرياضة والسياحة روافد للتواصل الحضاري، لا تعرف التعصب والسخرية والتنمر ،طالما حصنت بسياج من القيم الإنسانية السمحة.. والقادم أفضل بإذن الله.