✍️
لا شك أن الحياة مليئة بالصعاب والتحديات والابتلاءات والضغوطات التي -لولا ستر المولى- لكانت تنتهي في كثير من الأحيان بالانفجار. لكن والحق يقال مثل تلك المصاعب تسير جنبًا إلى جنب مع مسرات ومُفرحات ومنح ربانية لا تنقطع. فهكذا هي حال الدنيا وهكذا يجب أن يراها كل إنسان سوي. مزيج من هذا وذاك، قابل للتعايش معه والتصبر عليه في محاولة دؤوبة لتغيير السيء للأفضل وتحويل الذي هو أدنى للذي هو خير. لكن لماذا؟ لماذا هي الدنيا بهذا الشكل؟ ولماذا يجب على الإنسان التأقلم معها؟!
هناك أسباب كثيرة تفسر ذلك، أولها أن الحياة الدنيا في حقيقتها وجوهرها هي دار اختبار، امتحانٌ متواصل في منهج الحياة، وطبيعي أن يعاني المُمتَحِن أثناء اختباره حتى ليشرف على حدود اليأس قبل أن يبلغ مرتبة اليقين ومستوى العقلاء. واقرأ إذا شئت قول الله عز وجل “ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” فكلتا الحالتين فتنة وابتلاء، نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون، وكيف صبرهم فيما يكرهون. فالابتلاء يكون بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة. وبناءً على ذلك تلزمنا الحكمة لنحسن التعامل مع الواقع طبقاً لمعطياته وأحواله فمن فَهِمَ سَلِم.
من الأسباب أيضاً التي تجعل الدنيا مليئة بالابتلاء حقيقة أنها ليست المحطة النهائية، إنما هي إحدى مراحل عدة تصل بنا إلى الآخرة حيث الخلود. ثم إن عمر الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها لا يقاس بالنسبة للآخرة والخلود فيها، فصبرٌ ولو أخذ العمر كله يهون أمام النعيم في الجنة. وإذا كانت تلك صفة الحياة الدنيا فحقيق بها أن تعكر الصفو أحياناً وتكسر النفس وتوجع القلب أحايين أخرى، وخليق بنا أن نكدح فيها ونمر بالأزمات ونواجه المحن لإنها لذلك وُجدت ومن أجل هذا جبلنا. “لقد خلقنا الإنسان في كبد”. “أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون”. “ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم.” كلها آيات تؤكد على أن الراحة في الدنيا مقرونةٌ بالتعب، والسكينة ممزوجة بالمنغصات، والسعادة والحزن واقعان للإنسان لا محالة.
جميل.. كيف إذاً نتصرف مع هذه الحياة؟ و
وأحسن تعامل مع الدنيا يكون بإدراك حقيقتها ومعرفة طبيعتها وإنزالها منزلتها التي تليق بها. ليس في الحياة خلود ولا شيء فيها يبقى على حاله. القليل يكثر والكثير يقل، الغائب يحضر والحاضر يغيب، الصغير يكبر والكبير يهرم والنهاية معلومة للجميع. قد تتحقق السعادة فيها بأبسط الأشياء وقد تعجز كل متعها ووسائل ترفيهها عن منحك دقيقة فرح. الفيصل في هذه القضية هو طريقة تعاملك مع الحياة وحسن تناولك لمواقفها والقفز على ظروفها المتأرجحة التي أبداً لا تستقر على حال بعينها.
مخطئٌ من يربط السعادة بالمال وكفى، وواهمٌ من يظن أن الراحة في المتع والملذات فقط، فكل شيء في الدنيا قادر على أن يمنحك قسطاً موفوراً من السعادة إذا قدمت له جيداً وأعددت له كما يجب أن يكون. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
( ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس ). وأفهم منه أن نقطة الانطلاق نحو السعادة والسكينة وراحة البال هي النفس. فإذا رضيت أرضاها الله بكل شيء، وإذا قنطت واعترضت وتبجحت لم يرضها أي شيء. والله ما الشبَعُ في كثرة الطعام ولا الارتواء في موفور الماء. فكم من مأدبات عليها من الطعام أشكال وألوان لا تجد نفساً تشتهيها ولا يداً تمتد إليها بسبب أحزان ليس لها مصدر سوى سوء العلاقة مع الرزاق، بينما على النقيض كسرة خبزٍ وقليلٍ من عسل قد تجعل الحياة حلوةً كالسكر في أفواه المؤدبين مع مالك الملك. وقِس على ذلك الكثير والكثير.
✍️ أحمد رفاعي آدم ( أديب وروائي)