✍️ بقلم الأديب: أحمد رفاعي آدم
—————————————–
عرضنا في المقال السابق اللقطة الأولى وكانت من صحراء مصر الذهبية، والآن نشاهد اللقطة الثانية على الضفة الشرقية لنهر النيل العظيم وبالتحديد في محافظة سوهاج الجميلة.
على كورنيش النيل وقفتُ أشاهد الماء ينسكب بإنسيابية الطبيعة التي لم تلوثها يد الإنسان. ملعونةٌ هي السدود التي تحجز ماء الأنهار خلفها حتى يأسن!
ملعونٌ هو طمعُ البشر الذي يقسو على مجرى الماء الفطري فيحبسه و يعذبه بل ويتركه يئنُ حتى يجف و يموت عطشاً!! إنها القسوة كل القسوة أن تموت الأنهار عطشاً وهي مصدر الري ومنبع الحياة! ولنا في “الفرات” الحبيب عبرة وعظة! اللهم لطفك بأنهار الأرض! اللهم أمدها بعون أنهار السماء! أخيراً نهر النيل!! ما أعظمك يا نهر وما أجملك وما ألطف مجرى مائك العذب وما أوسعك في سوهاج!!
آه لو أنك تعلمُ مقدار حب المصريين لك؟ آه لو تعرف ألوان تغزلهم فيك!! إنك بحقٍ لا تجري بين ضفتين في وادٍ سحيق .. إنك يا نيل تجري في شرايينهم مجرى الدم فتمر بالقلوب في حركة أبدية لا هي من طبيعة الكون، ولا من طبيعة التكوين، بل هي من طبيعة أنفسهم وجِبّلة طينتهم!! لقد نشأنا صغاراً على العبارة الشهيرة لهيرودوت (مصر هبة النيل) وأذكر كيف كنا ننسخها في كراسة الخط العربي بكل معانيها ومبانيها فتنطبع في أرواحنا كأننا نحفرها حفراً وننقشها نقشاً على جدران أفئدتنا.
لقد تربينا منذ نعومة أظفارنا على عظمة نهر النيل وشهدت عقولنا منذ الطفولة على العلاقة الشرعية الخالدة بينه وبين مصر، تلك العلاقة الأبدية التي لا تقبل الفصل أو التغيير. فمصر هي النيل والنيل هو مصر، مصر هي بلد النهر الأولى والنيل هو أبو الأنهار ومهد الفلاحة وركيزة الحضارة منذ قديم الزمان.
نعم قد تكون مصر الوادي “مجرد خدش بسيط على صفحة الصحراء” كما قال المفكر الكبير الراحل د. جمال حمدان، ولكنه خدشٌ عظيم وأثره كبير في بقائنا كمصريين، إنه خدشٌ وجودي جعل مصر دائماً وأبداً في الطليعة، جعلها فوق الجميع وملك للجميع، ومنحها شخصيتها الإقليمية المتفردة التي نمت وتطورت -وبالطبع أحياناً تدهورت بفعل أطماع الغزاة والمستعمرين- بَيْدَ أنها لم تلبث في كل مرة أن انتصرت وعادت لأصلها وتجذرتْ في شخصية كل مصريٍ شريف.
مصر هي النيل السابح والماء الدافق الذي لن يكل ولن يمل بعون الله ما بقيت على الأرض حياة. مصر هي نهر الجنة الذي منحها قدسيتها الأبدية، هي ضفافه العريقة التي قامت عليها أعظم حضارة عرفتها البشرية. حين أنظرُ إلى النيل وأرقبُ ماءه المسكوب أمتلأُ يقيناً أن المصريين لن يفرطوا في قطرة واحدة من مائه مهما طالت المعركة مع الأثيوبيين.
أكاد أسمعه يطمئنني ويوصيني و يُحَذرني في آن. يطمئنني أنه بخير ما دامت مصر بخير وشعبها الأصيل متحد، ويوصيني بأن نحافظ عليه وأن نربي أبناءنا على تقدير عظمته وغلاوته كما تربينا نحن، و يحذرني أن العدو لنا بالمرصاد، ذلك العدو الذي يود لو يقطع عنا الماء فيبيعه لنا معبأ ولو استطاع أن يبيعنا حتى الهواء الذي نتنفسه لما تردد. لنحمي نهر النيل وليجد قادتنا الحلول الجذرية لمشكلة سد النهضة فالنيل هو عصب الحياة لبلدنا وركيزة الحضارة فيها.
وختاماً إليك عزيزي القارئ ٥ حقائق عن نهر النيل:
١- أول من سعى لاستكشاف منابع النيل وتحدث عنها الرحالة العربي الإدريسي، حوالي 1160 م والذي خلف خريطة دقيقة لبحيرة فيكتوريا.
2- يعتقد كثيرون أن بحيرة فيكتوريا هي منبع النيل ورافده الأول، غير أن أول منبع حقيقي للنيل يوجد في جنوب دولة رواندا.
3- تعتبر بحيرة فيكتوريا هي المصدر الأساسي لمياه النيل الأبيض، وهي ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم.
٤- يبلغ إجمالي طول النهر 6650 كم ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كلم مربع، ويمر مساره بعشر دول إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل.
٥- للنيل عدة أسماء في البلدان التي يمر بها، أشهرها، النيل، نيل فيكتوريا، ونيل ألبرت، وبحر الجبل، والنيل الأبيض، النيل الأزرق. اقرأوا عن نهر النيل وشجعوا أبناءكم أن يعرفوا الكثير عنه ليتعلقوا به ويفهموا قدره وأهميته ويحافظوا عليه. حفظ الله مصر ونيلها.