……………»»»
بقلم ✍️
الأديب الروائي أحمد رفاعي آدم
في الواقع النفس البشرية بجبلَّتِها عجولة، وقد قال الله عز وجل في وصفها “خُلِقَ الإنسان من عَجَل” سورة الأنبياء – آية 37، فنحن نتعجل بلا داعٍ ونتعجلُ كلَّ شيء، نتعجل في العمل فلا نؤديه كما يجب، ونتعجل النتيجة فنطلبها في أسرع وقت، ونتعجلُ الحُكمَ فلا نتمهل، ونتعجلُ اتخاذ القرار فلا نتفكر.
وبسبب هذه الطبيعة المركبة نفقد المنطقَ في كثيرِ من الأحيان وعند هذه النقطة تختلط أولوياتنا ويبلغ بنا الحَمَقُ مداه فيصبح كل شيء مهم ومقلق ومثير وضروري جداً ويصير كل شيء يستحق البكاء.
لكن الحقيقة الأزلية تسطع كالنبراس أمام أولي الألباب وذوي الحكمة مؤكدةً أن ما كل شيءٍ يستحق البكاء.
لماذا حرق الأعصاب والله أمرنا بالتوكل عليه؟ لماذا الخوف والكدر والأمر في غاية البساطة؟ فكر وخذ بالأسباب ثم دع كل شيءٍ بين يدي من يقول للشيء كن فيكون.
جبراً للخاطر ودرءً للمخاطر أَنزِل الأمور قدرها وزِنها بحجمها الطبيعي “بلا تضخيم ولا تقزيم” وتصرف حسب قدراتك، وفي كل خطوة توكل على الله وتذكر أن ما كل شيء يستحق البكاء ولا كل شيء يستحق العناء.
باختصار “جَمِّل شخصيتك الإنسانية” فشخصيات البشر كالمذاهب تختلف على حسب اختلافهم في النظر إلى الأخلاق والعقائد على الإجمال . ومعنى ذلك أن العقيدة والأخلاق هما الركيزة، وعقيدة المسلم في ذلك الشأن واضحة وضوح الشمس في نهار الصيف وهي تؤكد أن الحياة الدنيا هينة ولا تساوي عند الله جناح بعوضة فيقول الله سبحانه وتعالى “وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور” آل عمران – آية 185. هذه هي حقيقة الدنيا كما أقرَّها خالُقها وهذا هو حجمها الذي وضعها فيه العليم الحكيم مجرد متاع فانٍ غارٌّ لمن ركن إليه. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نصحنا ألا ننخدع ببهرج الدنيا وزينتها وأوصانا أن نعمل للآخرة، فقال عليه الصلاة والسلام “لوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ” رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ولقد كانت سيرته العَطِرة مثالاً حياً على زهده الشريف صلى الله عليه وسلم.
لذلك كله، أوصيكم ونفسي بالعقلانية ووضع الأمور في نِصابها الطبيعي. في الحياة أولويات وأسباب تسبق أسباب وفيها كثير من توافه الأشياء التي تستأهل الترفع عنها. نجاح أبنائنا مهم وضروي ولكنه ليس الهم الأكبر فصحتهم الجسدية وشخصيتهم النفسية أهم وأبقى، وكسب الرزق ضروري ولا يقبل التهاون لكنه ليس الغاية الأسمى ولا الغرض الأوحد فعبادة الله وتقواه أولى وأسمى، “وما خلقتُ الجن والأنس إلا ليعبدون” سورة الذاريات – آية 56، وكذلك مشكلاتنا الحياتية مؤلمة ومكدِّرة لكنها بصدق ليست نهاية العالم. فالله أعلمُ حيث يجعل رسالته وهو أحكم الحاكمين.
لسنا نعيش في الدنيا بقوتنا الفردية وليس كل شيءٍ يستحق البكاء.
فكما قال الشاعر:
دع الأمور تجري في أعنتها ..
ولا تنامن إلا خالي البالِ ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها ..
يغير الله من حالٍ إلى حالِ.