»» بقلم : أ.د عصام محمد عبد القادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر)
إن المجتمع الذي يعتمد في تواصله بين منتسبيه على الفضاء الرقمي ويخضع لقوانينٍ وقواعدٍ مغايرةٍ لما يجري في المجتمعات على أرض الواقع، يحتاج إلى أن تتضافر الجهود لتحقيق ماهية الأمن الفكري بين أفراده؛ لنضمن سلامة الفكر ونتجنب الخروج عن وسطية واعتدال المعتقد، وأن نفارق كل ما هو مشوبٌ ومغايرٌ لما هو صحيحٌ، ومن ثم نحقق أمن النظام العام للدولة، عبر وعيٍ مجتمعيٍ قويمٍ، يساهم في البناء والنهضة، ولا يقبل ما من شأنه يضعف استقرار الوطن ويهدد أمنه القومي على كافة الأصعدة.
وتتنوع متطلبات تحقيق الأمن الفكري عبر الفضاء المفتوح، والبداية تكمن في وعي المواطن الرقمي بمجموع القيم المجتمعية النبيلة، ومقدرته على التمسك بها من خلال تعاملاته المتعددة والمتنوعة في البيئة الرقمية، وهذا الوعي يُعد السلاح الرئيس الذي يحافظ على حماية كل من الفرد والمجتمع على سواءٍ، ويمثل الضابط الأساسي لمجموعة السلوكيات التي يتم مارستها على المستوى الفردي أو الجماعي في سائر المجالات والتعاملات، كما أن الوعي القويم المشار إليه يجعل المستخدم الرقمي يحافظ على ثقافته الأصيلة، ولا يسلب منه هويته.
وتحتاج البيئة الافتراضية لحماية تفرض على مواقعها؛ فتستبعد المواقع التي تحمل أفكارا غير قويمةٍ أو لا تتسق مع ثقافة مجتمعنا وقيمه، وهذا المتطلب بمثابة تحصينٍ للمواطن الرقمي، ويوطد الاستقرار داخل كيان المجتمع؛ فنستطيع أن نضمن سلامة المكون الأيديولوجي الذي يتمسك به مجتمعنا النقي، وهنا تزداد الثقة بين هذا المواطن والدولة بمؤسساتها المختلفة، كما يتمكن من مجابهة ما قد يتعرض له من شائعاتٍ وأفكارٍ كاذبةٍ أو مغلوطةٍ عبر هذا الفضاء المنفلت أو غير المنضبط.
ويُعد توافر المستودعات المعلوماتية الرقمية الآمنة عبر البيئة الافتراضية متطلبٌ مهمٌ من متطلبات تحقيق الأمن الفكري عبر هذه البيئة، ومن ثم يجب أن تتعدد مواقع التواصل الاجتماعي التي يستطيع أن يلج إليها المستخدم ويحصل منها على ما يود معرفته، ويجنبه مسالك الجنوح الفكري الكامنة في بعض المواقع ذات التوجهات والمقاصد المنحرفة، كما ينبغي توافر المواقع الرسمية التفاعلية والتي تمد الفرد بالأفكار التي تحض على الفكر الوسطي والمعتدل والذي يتسق مع غايات وفلسفة مجتمعنا المصري الأصيل.
وحري بالذكر أن الواقع الرقمي المعلوماتي عبر البيئة الافتراضية أضحى أمرًا مفروضًا على سائر مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية بمختلف المجالات والقطاعات، مما يستلزم أن ندرك أهمية الحفاظ على البيانات الشخصية والعمل على حمايتها، وهنا تضع الدولة طرائق المكافحة اللازمة لمنع الاختراقات وسُبل الاختراق الرقمي المبتكرة، كي تحافظ على المستخدمين وتحمي حقوقهم وتصون مقدراتهم؛ بالإضافة إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى احترام الملكية ويعضد قيمة الصدق والأمانة في الأذهان، ويُسهم في غرس أهمية الثقافة المعلوماتية وقيمها المتعددة التي تترجم لسلوكياتٍ مرغوبٍ فيها عبر البيئة الافتراضية.
وهناك متطلب يُشكل أهميةً بالغةً في تحقيق الأمن الفكري عبر البيئة الافتراضية، يتمثل في ضرورة سد الفجوة المعرفية لدى المواطن أو المستخدم الرقمي؛ إذ يجب أن نقدم له المعلومات والبيانات بصورةٍ سهلةٍ ومبسطةٍ عبر المواقع الرسمية للدولة ومن خلال كافة مواقع التواصل الاجتماعي بالصفحات الرسمية الموثقة؛ لتصبح سلاحًا فتاكًا ضد الشائعات المغرضة التي تبث على مدار الساعة من منابرها المتنوعة والممولة من جهاتٍ متعددةٍ.
ورغم خضوع وسائل الإعلام للرقابة من قبل المصنفات؛ إلا أن الحاجة إلى الفلترة ماسةٌ من قبل الدولة؛ لنقدم محتوى فكرياً آمناً في مكونه للفرد والمجتمع، ولا نحتاج لمراحل المعالجة بعد ذلك؛ فعندما نعمل على تنقية الأفكار من الشوائب منذ البداية، يمكن لنا أن ننشر الفكر المستنير القائم على الوسطية، والذي يقبله المجتمع، ويساعد على نشره وتعضيده؛ لأنه يشكل مناخًا إيجابيًا يساعد كل من الفرد والمجتمع على التقدم وبذل الجهود لمزيدٍ من العطاء المستمر والمتواصل على المستوى المؤسسي وغير المؤسسي.
إن العمل على توفير متطلبات تحقيق الأمن الفكري عبر البيئة الافتراضية مسئوليةٌ مشتركةٌ بين الدولة ومثقفيها ومبدعيها والقائمين على مؤسسات الدولة العقدية والمجتمعية؛ فغاية الأمن الفكري تحقيق استقرار المجتمع من خلال إبعاده عن محاولات التشويه الممنهجة، واستراتيجيات وطرائق نشر الشائعات المغرضة.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.