كتبها- وليد شاهين
أول من قرأ القرآن فى الكونجرس الأمريكي وهيئة الأمم المتحدة
سجل القرآن الكريم مرتلاً كاملاً بالروايات العشر لأول مرة فى الإذاعة المصرية
أوصى بثلث أملاكه لاستكمال الأعمال الخيرية التى لم تستكمل قبل وفاته ولخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظه
يقصده الحفاظ ويلجأ إليه كل حريص على تعلم أحكام التلاوة.. فهو خادم القرآن بحق.. مدرسة فريدة في التلاوة وهو أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة وصاحب المصحف المعلم.. حَمَلَتْ جماهير المسلمين سيارته في ماليزيا على أكتافهم وهو بداخلها.. كما أنه القارئ الوحيد الذي قرأ القرآن الكريم في البيت الأبيض الأمريكي.
فضيلة الشيخ محمود السيد خليل الحصرى من مواليد قرية شبرا النملة مركز طنطا بمحافظة الغربية فى 17 سبتمبر 1917، كان أبوه قد نزح من قرية سنورس محافظة الفيوم إلى قرية شبرا النملة فألحقه بكتابها عند بلوغه الرابعة من عمره فكان يحفظ القرآن سماعي ثم يكتب ما حفظه على اللوح بعد أن تعلم الحروف الأبجدية، وأتم حفظ القرآن في الثامنة من عمره.
تعلم علوم التجويد على يد شيخه، وكان ذا صوتٍ حسن وأداء رائع، فعرفه الناس وشاركهم أفراحهم وحفلاتهم حتى نضج صوته وعلى صيته في قريته، وفى أحد أيام رمضان عام 1928 دعاه شيخ الخفر لإحياء حفل في داره ووعده بإعطائه ثلاثين قرشاً في نهاية هذا الشهر، وكانت سعادته الصبى “محمود الحصرى” لا توصف، فقرأ وأصدح وأبدع، إلا أن شيخ الخفر لم يعطه سوى عشرين قرشاً فقط، قائلاً له: “إبقى عدي عليَّ بعد العيد عشان أعطيك الباقي”، ولما ذهب إليه فى الموعد، قال لأهل بيته: “كيلو للحصري كيلتين ونصف فول بالبريزة الباقية له.. حتى لا يأتى مرةً أخرى”.
وعند بلوغه الثانية عشر من عمره التحق بالمعهد الديني بمدينة طنطا وظل يدرس حتى مرحلة الثانوية العامة ثم انقطع عن الدراسة وتفرغ لتعلم القراءات العشر، وفي تلك الفترة كان يذهب لإحياء الليالي والمآتم كلما دعي إلى ذلك وظل مقيماً بقرية شبرا النملة حتى ألتحق بالإذاعة عام 1944، وظل بث الإذاعة حصرياً له على الهواء مباشرةً لمدة عشرة أعوام متتابعة.
عُيِّنَ “الحصرى” كشيخ لمقرئة سيدي عبد المتعال بطنطا في 1948، ثم صدر قرار وزاري بقيامه بمهمة الإشراف الفني على مقارئ محافظة الغربية عام 1949، ثم قارئاً للمسجد الأحمدي عام 1950، كما عُيِّنَ قارئاً لمسجد الحسين بالقاهرة بعد ذلك بخمسةٍ أعوام، تم تعيينه شيخاً بعموم المقارئ المصرية عام 1960، ثم مستشاراً فنياً لشئون القرآن بوزارة الأوقاف فى 1963، فرئيساً للجنة تصحيح المصاحف ومراجعتها بالأزهر عام 1963، فخبيراً فنياً لعلوم القرآن والسنة عام 1967 بمجمع البحوث الإسلامية.
أحس الشيخ بخطورة التبشير وحملات التنصير في أفريقيا والتي بدأت تحرف في القرآن فأراد أن يكون القرآن مسجلاً على شرائط كاسيت أو أسطوانات فتم تسجيل المصحف المرتل بصوته بعد أن رفض العديد من المشايخ والقراء الفكرة من بدايتها لإختلافهم حول العائد المادي منها وبذلك أصبح الشيخ الحصري عام 1960 صاحب أول صوت يجمع القرآن الكريم مرتلاً على أسطوانات برواية حفص عن عاصم، ثم تم التسجيل مرتلاً برواية ورش عن نافع ثم سجل أيضاً القرآن مجوداً بصوته، ثم مرتلاً برواية قالون والدوري، ثم سجل المصحف المعلم، وقد مكث مدة تقترب من العشرة سنوات لتسجيل المصحف مرتلاً بالروايات المختلفة.
لم يحصل الشيخ “الحصرى” على أى عائد مالى لنفسه من وراء بيع المصحف المرتل مسجلاً، ولكنه أوقف عوائد عملية البيع لصالح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، شريطة أن يتولى المجلس توزيع المصحف المُسجَّل على إذاعات العالم الإسلامي.
قام الشيخ “الحصري” بتأليف العديد من الكتب فى علم القراءات العشر، ويعد بذلك أول قارئ يؤلف كُتُباً فى هذا المجال، وكان يطبعها على حسابه ويوزعها مجاناً حتى أنه أعطى هذه الكتب للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية مجاناً، وكان المجلس يقوم بتوزيعها بسعر رمزي جداً، كما نادى الشيخ بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجداً ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
ومن الطرائف التى حدثت للشيخ أنه عندما رشحته وزارة الأوقاف سنة 1960 لمرافقة الرئيس جمال عبد الناصر في رحلته إلى الهند، وكان مقرراً له أن يسبق الرئيس بعدة أيام؛ بحيث يستقبله فى مطار بومباى المستشار الثقافى بالسفارة المصرية بالهند لكن الشيخ لم يجده، فضل الطريق في شوارعها، خاصةً أنه لم يكن يجيد اللغات.
قام الشيخ “محمود الحصرى” بزيارة فرنسا عام 1965 وأتيحت له الفرصة لهداية عشرة فرنسيين للإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم، كذلك أثناء زيارته الثانية لأمريكا عام 1973 قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر رجلاً وامرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه بعد سماعهم لتلاوته القرآن الكريم.
منحه الرئيس عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967م تكريماً له لتسجيله المصحف المرتل كذلك نال تقدير الملوك والرؤساء في العالم العربي والإسلامي.
كما انتخب الشيخ “الحصرى” رئيساً لاتحاد قراء العالم الإسلامي عام 1968، وكان أول من قرأ القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي وهيئة الأمم المتحدة، وكان أول من رتل القرآن في القصر الملكي في لندن عام 1978.
كان الشيخ يقوم بنفسه بمتابعة إتمام بناء المعهد الديني ببلدته ومسقط رأسه شبرا النملة قبل وفاته بعام واحد، إلى جانب الانتهاء من بناء مسجد البلدة ومسجد آخر أعد ليكون مكتب لتحفيظ القرآن، وقد تم الانتهاء من بناء المسجد الكبير وتسلمته إدارة الأزهر قبل وفاته بخلاف المعهد الديني، وأوصى أولاده بالتبرع بثلث أملاكه لاستكمال الأعمال الخيرية وخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظه، وقد وفَّى بَنِيهِ بما وصَّى.
عانى الشيخ “محمود خليل الحصرى” من أمراض القلب، حتى اشتدت عليه أوجاعه، وفى مساء يوم الإثنين الموافق 24 نوفمبر عام 1980 فاضت روحه إلى بارئها فور انتهائه من صلاة العشاء مباشرةً.. رحم الله شيخنا الجليل على ما قدمه لكتاب الله رحمةً واسعة.