كتبها- وليد شاهين
لقبه سلطان بروناى الإسلامية بـ “قارئ القصرين”.. وأطلقت عليه الجماهير فى إيران “ملك التلاوة”
أسلم علي يديه ثلاثة من الأمريكيين تأثراً بقراءته وصوته الجميل.
هو بحق كما وصفه أقرانه “عملاق القراء بالإتفاق”.. عطاؤه ممدود.. أحد أهم قراء الجيل الذهبى.. صاحب الأداء المتميز والصوت الأصيل.. قال عنه الشيخ محمد محمود الطبلاوى: “إن القدر لم يأتى بمثله”.. استحق لقب “ملك التلاوة” فقد نشأ فى بيئة قرآنية خصبة.. ذاع صيته وعرفته الجماهير قبل أن تعرفه الإذاعة.. انطلق من الشرقية إلى العالمية بدون منازع.. وكان خير سفيرٍ لمصر يحمل بين أنفاسه كلام رب العالمين.. حتى أصبحت بمثله المدرسة المصرية فى القراءة هى المدرسة الأولى والمتفردة.. التى تعلم وتهذب وتبدع وتنتشى لها العقول والألباب.
وُلِدَ الشيخ “محمد محمد أبو العلا”.. والمعروف بـ “محمد الليثي” يوم الجمعة الأول من يوليو عام 1949 في قرية النخاس التابعة لمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وكان جده ووالده من مُحَفِظِى القرآن الكريم فى قريتهم.. وقبل أن يأتى للحياة نذر والده إن رُزِقَ بولدٍ سوف يسميه “محمدا” ويُسَخِرَهُ لخدمة كتاب الله، وبالفعل حقق اللهُ له ما تمنى، فقام والده بتلقينه القرآن وهو ابن الثالثة من عمره، حتى أتم الله عليه حفظه كاملاً وعمره لا يتعدى عشرة أعوام.
أطلق عليه والده اسم “محمد الليثى” نسبةً إلى الصحابى الجليل “الليث ابن سعد”، نظراً لحب صغيره “محمد” لهذا الصحابى الجليل.
وَجَدَ الجَدُّ والأب ابنهم يتمتم بالقرآن الكريم بصوت جميل ويترنم به كالبلبل الصداح؛ فشجعاه على استغلال هذه الموهبة وقاموا بتدريبه بشكلٍ مستمر، ودفعوا به لتعلم القراءات العشر على يد أحد مشايخ القراءات بقرية بنى قريش مركز منيا القمح بالشرقية فى الثانية عشر من عمره فحصل على إجازتها جميعاً، وما أن بلغ سن الخامسة عشر حتى بدأ فى إحياء السرادقات والمناسبات الدينية بقريته والقرى المجاورة، وشارك كبار القراء حفلاتهم، ونال إعجاب الناس ودهشتهم بصوته العذب وأدائه المبهر فى تقليد عظماء القراء فى قراءةٍ واحدة وبتلاوات متعددة، فإذا قرأ تجمع حوله الناس واستمعوا له بأذان صاغية.
ذاع صيت الشيخ “الليثى” وهو فى العشرين من عمره، فجاب محافظات الجمهورية، وعرفه كبار القراء آنذاك، من أمثال الشيخ “محمد أحمد شبيب، ومصطفى إسماعيل، والشعشاعي، والبنا” حتى أدرك هؤلاء العمالقة أن هذا الشاب القارئ سوف يسْطعُ نجمعهُ ويُشِع نوره القرآنى على العالم الإسلامى فى مدةٍ قصيرة.
لم يكن يسعى للإذاعة بقدر سعيه إلى قلوب المستمعين، فشهرته سبقت الإذاعة بكثير، وكانت السوق الصوتية فى مصر والعالم العربى في بداية الثمانينيات تزخر بتسجيلاته المميزة والتى حققت نجاحاً كبيراً، وكان وقتها في مقتبل العمر وريعان شبابه، حتى تفرد بأداء قوي ومميز، وارتفعت شهرته فى الأفاق وعرفته مصر كلها، حتى لقب بعملاق القراء في مصر آنذاك، الأمر الذى شجعه للتقدم إلى لجنة اختبار القراء في الإذاعة المصرية عام 1984 فأعجبت اللجنة به إعجاباً كبيراً لما لصوته من قوة وتميز واتزان، فكان لا يتنغم بالمقامات على حساب القرآن وكان يراعى الوحدة الزمنية الإيقاعية فى أدائه احتراماً لهيبة القرآن وجلاله، فتم اعتماده قارئاً.
أحيا الشيخ “الليثى” بعد دخوله الإذاعة، العديد من الحفلات على الهواء مباشرة من أكبر مساجد مصر، كما تلقى العديد من الدعوات لإحياء الليالي الرمضانية والمناسبات الدينية المختلفة فى مختلف بقاع الأرض، فدعته السفارة التركية وأستقبله الأتراك في مطار أتاتورك استقبالاً رسمياً، فقرأ في إسطنبول وأنقرة ونقلت الاحتفالات جميعها على الهواء مباشرةً.
أشتهر الشيخ بـ “قارئ القصرين” لأنه تلقى دعوى عام 1989 لإحياء ليالي رمضان العامرة من السلطان حسن بلقيه سلطان “بروناى الإسلامية” والتى تعد من أغنى دول العالم وتقع فى أقصى جنوب شرق قارة أسيا، وكان الشيخ يقرأ كل يوم في قصر على مدى ثلاثين يوماً ويأتيه المسلمون والجاليات الإسلامية من كل مكان للاستماع إليه، فكرمه السلطان فى نهاية رحلته وأطلق عليه “قارئ القصرين”.
جاب الشيخ “الليثى” الأرض شرقاً وغرباً، فصدع بالقرآن تلاوةً وتجويداً، وأحيا ليالي رمضانية كثيرة فى بقاع الدنيا مترامية الأطراف، ومن بين البلدان التى حل بها قارئاً، دولة “ألبانيا، ولبنان، والهند، وباكستان، وجنوب أفريقيا، وألمانيا، وإيران” حيث لقبه جمهور الأخيرة بـ “ملك التلاوة”.
إبْتَعَثت وزارة الأوقاف المصرية الشيخ “محمد الليثى” إلى أمريكا عام 1990، لإحياء ليالى رمضان للجاليات المسلمة هناك، فوصل إلى نيويورك، ثم أنتقل إلى المركز الإسلامي في ولاية تكساس، فتم أستقبله استقبالاً حافلاً من الجاليات الإسلامية، ورغم وجود علماء وأئمة ضمن البعثة؛ إلا أنهم أجمعوا أن يتولى الشيخ “الليثي” إمامة المُصَلِّين فى صلاة العشاء والتراويح طيلة مدة وجودة، إلى جانب قراءة القرآن، وفي تلك الرحلة أسلم علي يديه ثلاثة من الأمريكيين تأثراً بصوته وأدائه القرآني الجميل.
دُعِي الشيخ “محمد الليثي” لإحياء ليالي رمضان من دولة لبنان مطلع القرن الحالى، وفي منتصف الزيارة أصيبت أحباله الصوتية بشكلٍ مفاجئ، فقرر العودة على الفور إلى مصر، وبعد رحلة مع المرض استمرت ست سنوات متتابعة لم يقرأ فيها، حتى لبى نداء ربه صبيحةٍ يوم الأحد الخامس من مارس لسنة 2006، وللشيخ امتداد قرآنى يتجلى فى ابنه القارئ “محمد محمد الليثي” الذى يملك من الشهر ما تغنيه لبلوغ ما بلغ أباه.. رحم الله شيخنا الجليل رحمةً واسعة.