كتبها- وليد شاهين
حفظ القرآن وعلومه ليعفى من الجهادية الإلزامية تلبية لرغبة أمه.. ومع هذا تقدم لأداء الواجب الوطنى
كان سبباً فى التحاق الكثير من مشاهير القراء بالإذاعة المصرية
شارك فى العديد من لجان التحكيم فى المسابقات الدولية لحفظ القرآن
يعد واحداً ممن عاصروا العظماء من الرعيل الأول فى دولة التلاوة.. فهو عميد القراء.. نشأ فى بيتٍ قرآنى.. لجدٍ وأب يقرؤونه بصوتٍ عذبٍ شجى.. أفنى ثمانية عقود من عمره فى حفظ وتلاوة كتاب الله العلى.. تراه من نبع الفضيلةِ اغترف.. وبفضل أبويه ومشايخه اعترف.. حقق أُمنية والدهُ بأن يكون قارئ.. فانسابت منه الآيات لآلئ.. فهو شيخٌ زان بالقرآن صباه.. وصان به شبابه ورعاه.. حتى نشر الله ذكره وأعلاه.
إنه الشيخ “أحمد محمد أحمد عامر” المولود يوم الثلاثاء الموافق 3 مايو عام 1927 في قرية “العساكرة” بالصالحية مركز فاقوس بمحافظة الشرقية، انفطر قلبهُ منذ نعومة أظفاره على حب القرآن الكريم، حيث كان جَدَّهُ ووالده الشيخ محمد عامر من أهل القرآن وخاصته، وكان والده قارئاً للقرآن فى مناسبات القرية والوجه البحرى، حتى أن أهل قريته يطلقون على بيتهم حتى الأن “بيت القرآن”، ألحقه والده وهو ابن الرابعة من عمره بصحبة أخيه محمد الذى يكبره إلى كُتَّابِ الشيخ “محمد أحمد ميدان” بقرية “الأخيوة” بالصالحية، وأتم الله حفظ كتابه الكريم، وهو لم يتجاوز العاشرة.
أرسله والده ليكمل مسيرة المعرفة القرآنية إلى قرية “الضهير” مركز المنزلة بمحافظة الدقهلية، لكى يتعلم أحكام التجويد وعلوم القراءات العشر على يد الشيخ “عبدالسلام الشرباصي”، جَد الشيخ “محمد خاطر” من والدته، مفتي الديار المصرية الأسبق، حتى أتم تجويد القرآن الكريم بأحكامه، وتعلم القراءات، وهو في الثالثة عشر من عمره، فكان هذا كافياً بأن يناديه أهل قريته بـ “الشيخ أحمد” إجلالاً واحتراماً لما يحمل من كتاب الله وعلوم قرآنية تفرد بها دون غيره.
وجد معلمهُ الشيخ “عبد السلام” حلاوةً فى صوت تلميذه الصغير “أحمد” وتميزاً بارزاً فى نبرات صوته، فاعتاد أن يصطحبه فى الحفلات والمناسبات القرآنية ليستمع ويتعلم طريقة التلاوة، خاصةً أن لشيخه حفيداً قارئاً يدعى “محمود” فدفعه الشيخ إليه ليزامله فى إحياء الحفلات ولو بالنذر اليسير وكان يسمح للصبى الصغير “أحمد” بقراءة عشر لكى يتجرأ على مواجهة الناس ويعرفونه، وفى أخر أيام والده أخبره أنه يتمنى أن يكمل مسيرته فى التلاوة، فاجتهد الشيخ “أحمد” على ذلك الأمر من خلال التدريب وقبول الدعوات للقراءة فى السرادقات فى قريته والقرى المجاورة، حتى ألفه الناس وذاع صيته بينهم.
ذكر الشيخ “أحمد عامر” فى حديث مسجل خاص بإذاعة القرآن الكريم، أنه اجتهد فى صغره لحفظ القرآن الكريم؛ لكى يعفى من الجهادية الإلزامية فى أربعينيات القرن الماضى وكانت مدتها خمس سنوات شداد، وذلك لما صورته له والدته وأخته الكبرى بأن الذهاب إليها هلاكٌ مبين، فانصب على نفسه يقرأ ويحفظ المتون ويجد فى دراستها، حتى حقق المركز الأول على مستوى مركز فاقوس والصالحية خلال إحدى المسابقات، مضيفاً أنه رغم هذا كله لم يَعْصِم نَفْسَهُ من التجنيد، وقد أدى الواجب الوطنى عليه وأنهى خدمته العسكرية بسلام.
ذاع صيت الشيخ “أحمد محمد عامر” في أنحاء محافظة الشرقية، والبلاد، والقرى المجاورة، ليتقدم بعد ذلك لاختبارات الإذاعة المصرية، وينجح بامتياز عام 1963، وبعد التحاقه بالإذاعة واعتماده بها قارئاً للقرآن، سجل الكثير من التلاوات القرآنية وأحيا الحفلات والمناسبات الدينية التى كانت تبث على الهواء مباشرةً، كما أدى العديد من الابتهالات الدينية التى سجلتها الإذاعة على الهواء أيضاً، حيث كان الشيخ يقوم بدور القارئ عبر الأثير والمبتهل فى آنٍ واحدٍ إذا غاب المبتهل عن البث المباشر لعذر ألمَّ به.
عمل الشيخ “أحمد” على تحفيظ القرآن الكريم، وتدريس علومه للراغبين والطامحين، ولم يكن يتقاضى عن ذلك أجراً، وتعلم على يديه القرآن وأصول التجويد عدداً من مشاهير القراء والمبتهلين وأهَّلَهُم لدخول الإذاعة المصرية، من بينهم الشيخ “الشحات محمد أنور، وإبراهيم سليمان الدرعه، وعثمان الشبراوى، ومحمود إسماعيل الشريف، وعلى الزاوى، وعبد الرازق الجندالى”.
سافر الشيخ “أحمد محمد عامر” إلى دولٍ عديدة لإحياء الليالى الرمضانية والمناسبات الدينية قارئًا للقرآن الكريم، فكان السودان أولى محطاته الخارجية، حيث إبتعثتهُ إلى هناك وزارة الأوقاف المصرية عام 1958، بصحبة الشيخ الجليل محمد الغزالي، والشيخ محمود عبدالحكم، ثم توالت رحلاته لقراءة القرآن الكريم في البلاد العربية، ومنها إلى المراكز الإسلامية فى دول أوروبا والتى تكررت لعدة سنوات، والولايات المتحدة الأمريكية، وكان خير سفيرٍ للقرآن فى البرازيل، ودول آسيا، حيث طاف بكتاب الله جميع أنحاء العالم، كما شارك الشيخ “عامر” في العديد من لجان التحكيم الدولية في مسابقات القرآن الكريم، منها ما أقيم فى دولة إيران والجزائر والمغرب.
حصل الشيخ الجليل خلال رحلاته الخارجية على العديد من شهادات التقدير والأوسمة، كما منحه الملك “علي شاه” ملك ماليزيا وسام التقدير عام 1970، وكان عضوًا في مقرأة مسجد الإمام الحسين التي رأسها الشيخ أحمد عيسى المعصراوي.
كان الشيخ “أحمد محمد عامر” فى مسيرته المُوَفَقَ والناجح.. ولمن حوله الموصى والناصح.. محباً لجميع الحفظة والقراء.. حتى لقى ربه على خير لقاء.. ثابتاً محتسباً بقلبه نقاء.. يوم السبت 11 من جمادى الأولى 1437 هـ الموافق 20 فبراير 2016، عن عمر ناهز 89 عامًا أفناها فى تَعْلِيم القرآنِ وتَعَلُّمِهِ.. فرحم الله شيخنا الجليل على ما تلاهً من محكم التنزيل.