»»
بقلم ✍️ د.خالد محسن
من حسنات منصات التواصل الاجتماعي تقريب المسافات المكانية والنفسية،ودعم أواصر المحبة والمشاركة الوجدانية،والترابط المجتمعي، وخاصة في زمن انشغل الناس بدوامات ومتطلبات الحياة العصرية ومستجداتها ،ولكن إذا زاد الشئ عن حده انقلب إلي ضده !.
فلا ريب أنه من أسوأ مقابح العصر الرقمي الفاضح، ذوبان حواجز الحصانة الاجتماعية واختراق الخصوصيات الحياتية بأفراحها وأتراحها !.
ومن الظواهر الشائنة لشبكات ومنصات التواصل ،ولفوضي صحافة المواطن نشر الصور الشخصية للمرضي خلال فترات المرض المختلفة،وأحيانا قبيل وأثناء الفحص ،وبعد إجراء العمليات الجراحية وأحيانا من داخل غرف الرعاية والعناية المركزة بالمستشفيات العامة والخاصة ، دون إدراك للأبعاد النفسية والإنسانية والاجتماعية ومردوه السيء علي المريض وأهله، علاوة علي الآثار النفسية التي تضاعف هموم وأحزان الناس وخاصة في وقت المحن والأزمات !.
ولا أدري سببا مقبولا للنشر الفاضح لمشاهد مؤلمة أو لحظات مرة من الحياة ،ولا يبرر هذه التصرفات الهوجاء ،المشاركة بالدعاء للمريض أو للجريح أو الرحمة للمريض،فمن الأجدي كتابة دعاء بالشفاء أو بالرحمة دون نشر توثيق لمشاهد الآلام والأوجاع!.
كما يصدمني كثيرا ما اعتاد عليه رواد شبكات التواصل الاجتماعي من مشهد نشر صور المعاقين جسديا ونفسيا وصور كبار السن في حالات الضعف الإنساني والمرض الشديد،والتي تستلزم الخصوصية والستر،وأحيانا المقارنة بين حياتهم الآن وما سبق!!.
أتصور أن الإصرار علي نشر صور مشاهد الخراطيم وتعليق المحاليل وصور الأشعات وغرف المستشفيات ، وأحيانا نشر صورة حوداث السيارات بدعوي حجب العين، هو استمراء للعبث ،و امتهان لهذا الشخص ولكرامته واختراق صريح لسياج حياته الاجتماعية الخاصة.
وأحيانا يصر البعض علي نشر صورة لأشخاص انتقلوا لرحمة الله ترصد لحظة وفاتهم في امتهان لحرمة الموتي،واعتداء صارخ علي قدسية النفس التي كرمها الله حياة وموتا.
إنها مشاهد صادمة ، ترعاها فوضي حرية التعبير والنشر من خلال الصفحات الشخصية، وفي حالات كثيرة أجدني مضطرا للتواصل مع بعض الأصدقاء لإزالة هذه الصور ،واستبدالها بصور وقورة تبعث علي الأمل والتفاؤل ، أو لذكريات باسمة أو في مناسبات مبهجة ،ربما تدخل السرور علي المريض وتكون سببا في رفع روحه المعنوية،كأحدي أهم خطوات الشفاء والعلاج الناجع..ومن المؤسف أن البعض يكابر ويرفض، فآفة قناعات البشر تضلهم و تعميهم أحيانا عن التصرف السليم وانتهاح السلوك القويم، تحديد الأولويات واتخاذ القرار الصائب!.
وفي الصحف القومية أتذكر أننا ومازلنا في نحجب صورا المصابين بالحوادث أو نضع أشرطة علي أعين بعض المتهمين ،أملا في صلاحهم وبدء صفحة جديده مع النفس والمجتمع ،دون خصومة أو رغبة في الانتقام !.
إن توعية المواطنين بالأبعاد الإنسانية والقيمية وأحيانا القانونية لنشر الصور وخصوصيات الناس مسؤولية مؤسسات الإعلام بمختلف روافده المسموعة والمرئية والمقروءة ، وللمجلس الأعلي للإعلام دور في إعادة تقييم البرامج التي تتاجر بآلام وخصوصيات وجراحات المواطنين بدعوي جمع التبرعات وفعل الخيرات!.
وللمؤسسات التربوية وللأزهر الشريف دور في التوجيه و التوعية والتذكرة والإرشاد حماية للإنسان وصيانة لكرامته..
ويجب ألا ننسي أن منهج الإسلام ديننا الحنيف الراشد هو الاستتار، والستر بشقيه المعنوي والحسي، كما أوصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سَتَر مسلمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخرةِ» رواه مسلم.
لقد أمست صحافة المواطن “آفة” مضللة، وليست إضافة تتطلب المزيد من الرقابة والتوعية قبل فوات الآوان !!