عندنا أزمة لابد أن ننتبه إليها، أو بمعنى أصح لابد أن ينتبه إليها صناع العروض المسرحية، ألا وهي جمهورهم، الذي لا يأتي لكي يشاهد العرض، هو يأتي ليحي الليلة، إما متطوعا من تلقاء نفسيته، وإما بطلب من بعض صناع العرض .
أما طريقة إحياء الليلة فهي الصريخ، قبل وبعد وأثناء العرض، عمال على بطال، والتصفير عمال على بطال برضو، ومناداة كل ممثل بمجرد ظهوره على الخشبة: يا عمرو يا نجم، يا إبراهيم يا عالمي.. وهكذا حتى يفسد العرض تماما.
هناك نوعية من الجمهور تتحرك معا مثل الميليشيات المنظمة ولسان حالهم يقول “عايزين نصيت فلان أو فلانة”.. ماشي صيتوه بس بعد العرض مايخلص أو حتى بعد أن يقول جملته.. لكن أنت بتكلم مين.. الناس دي ماعندهاش رحمة.. فلتذهب الجملة إلى الجحيم، ولنقطع استرسال الممثل في جملته.. هذا شيء لايخصنا والمهم نصيته حتى لو قتلناه هو وعرضه.. وحتى لو ولعنا في خشبة المسرح ذات نفسها.
أمس انتهيت من مشاهدة عرض في قصر الأنفوشي الساعة السادسة والنصف مساء، ذهبت طائرا إلى مكتبة الأسكندرية حتى ألحق بعرض في المكتبة يبدأ السابعة، قطعت تذكرة ودخلت قبل العرض بعشر دقائق، أغراني أنه عن نص ” عطيل يعود” لكازانتزاكيس، وما أدراك ما كازانتزاكيس، لن أحدثك عن العرض الآن، سأكتب عنه لاحقا لأنه يستحق الكتابة والاحتفاء، لكنى سأحدثك عن شلة بنات وولاد لم يتوقفوا عن الصريخ أغلب فترات العرض.. تبقي الدنيا هادية والعرض شغال تمام، وفجأة وبدون أي مناسبة تنطلق الصرخات من أرجاء المسرح، بيبقوا موزعين نفسهم وعاملين خطتهم إللي ماتخرش الميه، هم ليسوا أعداء للمثلين، وليسوا عصابة تبع عرض آخر منافس، بل هم أصدقاؤهم الذين يرفعون شعار” انصر ممثلك ظالما أم مظلوما”، أنا نفسي اتخضيت أكثر من عشر مرات، تبقى قاعد في أمان الله وعلى حين فجأة تسمع صراخا حتى لتظن أن زلزالا وقع ، أو أن حريقا لاقدر الله اندلع في الصالة أو في الكواليس، أو حتى في مركب معدي قدام المكتبة.. هل أطالب بوضع شرائط لاصقة على أفواه هذه العصابات أم أطالب بإحالتهم للطب النفسي؟ الأفضل إحالتهم إلى الطب الشرعي ليخبرنا بعد تشريحهم، هل ينتمون إلى الكائنات البشرية مثلنا، أم أن هناك طفرات جينية أدت بهم إلى هذا الوضع المخل بكل تقاليد المسرح.
الذي زاد وغطى بقى، وكان أكثر استفزازا وإزعاجا، ويستحق وقفة من مدير المكتبة المحترم د. أحمد زايد، هو السماح للجمهور بالدخول في أي وقت بعد بدء العرض، وهو أمر لا يحدث في أي مسرح في العالم، العرض بدأ يبقى ممنوع على جنس مخلوق يخش الصالة حتى لو كان مدير المكتبة نفسه.
كل خمس دقايق يدخل ناس، ويضطر من يجلسون يشاهدون العرض في أمان الله إلى الوقوف حتى يجلس هؤلاء المتأخرون، وما يسببه ذلك من إزعاج للجمهور وشوشرة على العرض، لم أصدق أنني أجلس في مسرح مكتبة الأسكندرية، وقلت ربما أخطأت ودخلت مسرح بدرية طلبة، لكن الراجل الذي كان يجلس بجانبي ولم يكف عن الحديث مع زوجته أو الجو بتاعه، أكد لي أنه مسرح مكتبة إسكندرية.. معقول يادكتور أحمد؟