يقول محمد يوسف، الباحث في الشريعة الإسلامية ، وموجه شؤون القرءان الكريم بمنطقة سوهاج الازهري أن التصنت علي الأشخاص التي تتحدث في الهاتف يُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم، والكشف عن معائبهم؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع، دون أن يكون له غرض مباح؛ من جلب منفعة راجحة، أو دفع مفسدة متوقعة، سواء أكان ذلك بالتطلُّع، أو التنصت والاستماع.
وهذا النوع من أنواع التجسس هو الذي نصَّت الأدلة الواضحة على تحريمه، ولم يبح إلا في حالات خاصة، فـإنَّ الأصل في المسلم الطهارة، والعفة، والبراءة، والسلامة من كلِّ شيء مشين، ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس بجميع صوره وأشكاله، سواء كان تجسس الفرد على الفرد، أو الفرد على الدولة، أو الدولة على الدولة؛ لأنَّ التجسس انتهاك لحرمة المسلم، وكشف ستره، وقد يسبب الحقد والبُغض بين أفراد المجتمع، وهذا الذي يرفضه الإسلام جملةً وتفصيلاُ، فقال تعالى ( وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ).
وقد كشفت دراسة بحثية بعنوان “المسؤولية الجنائية المتعلقة بالهواتف الذكية” والذي أعدها محمد يوسف لنيل درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية، أن جريمةُ التجسس على الأسرار الخاصة عن طريق الهواتف الذكية أو غيرها لها عقوبة قانونية وهي من الجرائم المحرمة التي نصت الشريعة على تحريمها إذا كانت بغرض إشاعة الفاحشة، فلقد نصت الشريعة على تحريم التجسس والتلصص بأية وسيلة كانت، ومن ذلك التجسس على أسرار الناس والقيام بفضح أسرارهم ومن فعل ذلك فهو آثم شرعاً ومجرم قانوناً.
أما عن تسجيل المكالمات بدون علم الطرف الآخر، يشير محمد يوسف إلى أن عملية تسجيل المكالمات الهاتفية دون إذن أصحابها، جريمة تندرج تحت بند انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وحدد القانون المصري عقوبة من يقوم بتسجيل المكالمات دون إذن قضائى بالحبس لمدّة لا تزيد على سنة.
ويؤكد أن من يستخدم هذه المكالمات بعد ذلك في الوقيعة بين الأشخاص اذا كانت المكالمة تحتوي على إساءة أو أي كلام سلبي تجاه شخص ما، وقام بفضح هذه الأسرار فهو آثم شرعاً ومجرم قانوناً،خاصة إذا نشر هذه المكالمات على مواقع التواصل الاجتماعي فقد أضر بغيره.
ويري موجه شؤون القرءان أن التجسس على الأسرار الخاصة يعد جريمة في حالة الإضرار بالأفراد، أو إفساد المجتمع عن طريق تسجيل المكالمات و تصوير الأفراد بدون علمهم على هيئة لا يرتضون أن يطلع عليها أحد، ثم دبلجتها أو نشرها بما يضر بمصلحة الفرد والجماعة، ولا بد أن تلحق المضرة بالمُتَجَسَّس عليه وعلى حياته الخاصة، ولا يشترط أن تكون المضرة مادية بل إن الضرر قد يكون معنويًّا فإذا تحقق ذلك وجب على الجاني عقوبة على نحو يحفظ مصلحة الجماعة وحق المتضرر والعقوبة أنواع منها ما يكون بالتوبيخ وبالزجر وبالكلام، ومنها ما يكون بالحبس، ومنها ما يكون بالعزل عن الوظيفة أو بالغرامة المالية.
في سياق متصل، يلفت الباحث محمد يوسف إلى أن المادة 57 من الدستور عام 2014 بينت أنّ تسجيل المكالمات يدخل في نطاقة المراسلات البريدية والإلكترونية والبرقية، ويشمل أيضاً المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات المختلفة، لكون هذه المكالمات وعاءً للحياة الخاصة، ويعبر فيها صاحبها عن ذاته، وقد يبوح بأسراره، وبما قد يعلمه من معلومات أخرى يتداول فيها الرأي أو المشورة مع المتلقي، وعلى من يتلقى حديثاً من الغير أن يلتزم بواجب الكتمان، باعتباره التزاماً أخلاقياً للائتمان على مضمونه، وعدم البوح به إلا برضاء صاحبه.
والقاضي فقط من يحق له إصدار الأوامر بتسجيل المكالمات.
ويستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره في مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، كما لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك كونها ملك للعامة ويشترط في ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية، ويحق للقاضي فقط إعطاء أوامر بتسجيل المكالمات وذلك وفقاً لما ورد في نصوص المواد 95 و95 مكرراً و206 من قانون الإجراءات الجنائية.
ولقد سبق لمحكمة النقض أن أجازت تسجيل المكالمات التليفونية إذا كانت تشتمل هذه المكالمات على سب وقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد.
ويضيف أنه إذا جرى تسجيل إحدى المكالمات وتعرّض صاحبها للتهديد بإفشاء أسراره التي جرى الحصول عليها من المكالمة ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدّة قد تصل إلى خمس سنوات، أما إذا كان الفاعل صحفياً فإن العقوبة تكون أشد ويضاف إليها المادة 21 من قانون الصحافة”.
وهناك شروط لتسجيل الأفراد للمكالمات الهاتفية:
الشرط الأول: أن نكون بصدد جريمة يعاقب القانون عليها.
الثانى: أن تكون هذه الوسيلة هى الوسيلة الوحيدة لإثبات الجريمة وذلك لأن حالة الضرورة هى التى استلزمت هذا التسجيل لإثبات مضمون المكالمة التليفونية وما تحمله من جرائم، وبدون هذا التسجيل لن يتمكن من إثبات الجريمة، فضلاً على أن التسجيل هنا هو حالة من حالات الدفاع الشرعي عن النفس، ولذلك لا يمكن النظر إلى الدليل هنا على أنه دليل غير مشروع يجب استبعاده، بل يجب الاعتداد به وقبوله شريطة أن يكون المجني عليه نفسه هو الذى قام بالتسجيل، أما قيام السلطات بالتسجيل للأفراد، فلا يكون ذلك إلا فى إطار القواعد والإجراءات والحالات التى حددها المشرع أى الحصول قبل التسجيل على إذن قضائي مسبب حيث لا يكفى إذن من النيابة العامة، كما لا يكفى إذن دون تسبيب.