محمد جبريل
أثق أن الدهشة – بقراءة هذا العنوان – ستعلو ملامحك: تدعي الانتساب إلى الأدب.. مالك وكرة القدم؟
ربما تجد الإجابة عن السؤال في استعادتي أيام الصبا، لما كنت أشاهد مباريات الكرة في الساحات الخلاء، بالقرب من قصر رأس التين، والأرض المجاورة لحلقة السمك، والساحة المهجورة بين بنايتين في شارع التتويج. شيدت فوقها دار سينما، ثم حلت – بعد إزالتها – عمارة سكنية.
لم تكن المباريات بين أندية، وإنما بين لاعبين، نجوم، من القاهرة والإسكندرية، خليط من لاعبي الأهلي والزمالك والترسانة والاتحاد السكندري والترام والأولمبي، في زمن بلا شركات للرعاية، لها تأثيرها الهائل في القدرات المالية، حتى أن الانزعاج الذي استقبل به حصول اللاعب رضا عبد العال على مليون جنيه ثمنًا لانتقاله من ناد إلى آخر، يبدو مجانيًا أمام الملايين التي يوقع عليها لاعبو الجيل الحالي، بالعملات الصعبة والسهلة، فضلًا عن الهدايا التي حصل منها اللاعب جدو – مثلًا – على ثلاث سيارات من أثرياء المشجعين لأدائه المتميز في بطولة إفريقيا!
كانت المباريات تقام صيفًا، يتعاون اللاعبون لإقامتها في الساحات، لقاء قرشين للكرسى، يسعدون بالإيراد الذي حصلوا عليه في زمن، اعترف فيه الأسطورة الضظوي أن قطعة الجاتوه كانت هي المكافأة التي يحصل عليها من إدارة ناديه مقابلًا لكل هدف يحرزه.
تحدد مساحة الأرض بخطوط بيضاء، وفي نهاية المستطيل الترابي عارضتان، وأربعة قوائم، بينما الجمهور يقتعد الكراسي، أو يقف، على جانبي الملعب الافتراضي. وبعد كل مباراة يتقاسم اللاعبون إيرادها بما يتيح إجازة صيف طيبة!
طبقًا لنظرية العدوى، كنا نقيم – في الأيام التالية – مباريات بشارع التمرازية. نضع قطعتي حجارة في أول الشارع وآخره، ونجري مباريات، موضعي فيها – غالبًا – حراسة المرمي، ربما لأني كنت ألعب الجمباز، فمن السهل أن أقفز، وأتنطط، وأصد الكرة الشراب من كل الزوايا!
تلك كانت بداياتي الكروية كما أذكرها، تواصلت في حب الاتحاد السكندري. أتابع – حتى الآن – مبارياته في الملاعب، أو على شاشة التليفزيون.أعتبر نفسي – دون مراعاة لحقوق بقية المشجعين! – كبير مشجعي النادي، حتى أني نسبت الصفة إلى أكثر من شخصية في كتاباتي الأدبية، بل إن الاتحاد السكندري يشغل فصلًا كاملًا في روايتي” أهل البحر”.
هل تجد في هذه الكلمات ما يتيح لي الانتماء إلى كرة القدم، فأناقش أحوالها؟
القضية الوحيدة، المحددة، التي أريد مناقشتها هي تحول دوري كرة القدم عن الصورة التي نحب أن يكون عليها.
أدعوك إلى ملاحظة الأندية الكبرى في أوروبا: معظمها ينتمي إلى مدن إقليمية. لا يقتصر الدوري على ناديين كبيرين، هما المتن، وبقية الأندية هوامش، وتلك قضية أرجو أن أناقشها في فرصة تالية.
دعونا إلى وجوب اتساع القاعدة، وهو ما تشير إليه التطورات، وإن لم تكن على الصورة التي نأملها.
لا أريد أن أسترجع ما فات حتى لا تثار ردود أفعال قد لا أحسن مواجهتها، وإنما أشير إلى الأندية الثلاثة التي صعدت – هذا العام – إلى الدوري الممتاز: فاركو، كوكا كولا، الشرقية للدخان، فرق تتبع شركات أنشطتها جزء من الجوانب الإعلانية، بحيث أكد مسئولوها أن فرقهم صعدت إلى الدوري الممتاز لتبقى، بل وتستهدف القمة، وأن خزائن الشركات مفتوحة لبلوغ الهدف.. واهو كله دعاية!
ماذا عن الأندية الشعبية: الاتحاد السكندري والاسماعيلي وأسوان والمصري وطنطا والمنصورة ودمنهور وبلدية المحلة والمنيا وبني سويف وأسيوط وشبين الكوم وغيرها من الأندية التي تبدو مغلولة الأيدي أمام الأرقام الفلكية التي ينتقل بها اللاعبون من فرق أنديتهم إلى فرق أخرى؟
الظاهرة اللافتة – والمؤسفة – أن الأندية الشعبية – بقلة مواردها، وانعدامها أحيانًا – تعجز عن منافسة الفرق التابعة لإدارات الإعلان بالشركات.
هبط أسوان هذا العام – لظروف مادية معلنة – إلى دوري القسم الأول، دوري المظاليم في تسمية الناقد الرياضي الراحل نجيب المستكاوي..
من يحل عليه الدور – في ظل الدعم المالي الذي تقدمه الشركات لفرقها – من الأندية الشعبية؟
كان للمساء مبادرة في رعاية دوري الشركات، خصصت له مساحة صفحتها الأخيرة، وأثمر الدوري مواهب زاوجت في اللعب لفرق الشركات وأندية الدوري العام.
هل غاب دوري الشركات، ليحل – في المدى القريب، أو البعيد – بديلًا لدوري اتحاد الكرة؟