لاشك أن فوز مجموعة قصصية مصرية بجائزة عربية كبيرة فى القصة القصيرة شيء يدعو للفرح، كما يدعو للبحث عنها لمعرفة أسباب فوز هذه المجموعة الجيدة بتلك الجائزة المهمة التى تدعم دور النشر فى المقام الأول، إن فوز المجموعة القصصية ” الثانية عشرة ليلا” للكاتب عبود مصطفى عبود الصادرة عن لعبة القص للاستثمارات الثقافية بجائزة الدكتور عبد العزيز المنصور الكويتية لدور النشر شيء طيب و يدعو للتفاؤل، و هى واحدة من الجوائز المهمة التى يشرف عليها اتحاد الناشرين العرب سنويا و تقدر قيمتها بعشرين ألف دولار.
و عبود مصطفى عبود كاتب لديه ثقافة متنوعة تمكنه من تكوين رؤية للعالم؛ فالكاتب خريج لغة عربية و إعلام و حقوق ، و صدر له العديد من الإصدارات السياسية و الأدبية مثل صدام حسين و كيف تكتب الخبر الصحفى و مواطن حر فى بلد ديمقراطى ،تشى جيفارا، بضع سنين و قبيلة من النساء .
تتكون مجموعة الثانية عشرة ليلا من أربع عشرة قصة قصيرة؛ تتناول العديد من الموضوعات المختلفة المتنوعة معتمدة على الشكل المعروف للقصة من المقدمة و الوسط و النهايات الحاسمة فى أغلب القصص؛ و عليه فإنها تقدم حلا إيجابيا للحظة التوتر التى ساقتها القصة، لكنها تتميز بشكل خاص بها فى تناول كل قصة يجعل منها لعبة سردية تخص الكاتب منذ البداية و حتى النهاية و معتمدة أحيانا على المفارقة التى تسبب دهشة للقارئ الذى يتابع القصة منذ البداية و حتى نهايتها دون أن يستطيع أن يتركها و يكون العلاقات بين الأحداث حتى يستطيع أن يفك شفرتها.
لذا تعتمد القصص على حبكة جيدة و محكمة و مهندسة، و معروف بداياتها و نهايتها و يمكن وضع يد القارئ عليها، و أرى أن هذا الأمر قريب من فكرة الهندسة الروائية التى يقوم بها الكثير من كتاب الرواية كى لا ينسى شيئا أثناء الكتابة، و كثير من قصص المجموعة ليست خاضعة لما يجود به السرد بشكل لا واعى و أحيانا عشوائى، فالقصص تنتمى إلى لحظة الوعى مدثرا بلحظة الصدق الفنى فى الكتابة. لذا نجد أن وراء كل قصة فكرة واضحة تماما فى ذهن الكاتب و رسالة مهمة يريد أن يرسلها فى النهاية، لذا تصل للقارئ الرسالة التى يقصدها المؤلف صاحب الرؤية و الرسالة كما قلت سلفا.
و فى قصة المجموعة المحورية “الثانية عشر ليلا” نجد نموذجا منضبطا للقصة التى تعتمد على حبكة جيدة ومحكمة ومثيرة للدهشة و غير موجودة من قبل؛ فالبطل الذى تركته من أحبها لأجل المال و لا تهتم بالناحية العاطفية أو الرومانسية عنده، يجد الحل مساقا إليه دون أن يدرى من امرأة أخرى لديها الحل بعد أن تعتقد أن الحب هو السبيل الوحيد لوجود حياة تستحق أن تعاش، فحين يرفع سماعة التليفون ليتحدث مع صديق له فيسمع صوت امرأة على الطرف الآخر جاء إليه نتيجة عطل فى الخطين؛ هذا العطل يسمه صوتا نسائيا قد أحدث تماسا مع خطه فيطلب منها أن تغلق الخط ليتحدث مع صديقه و توافق على إغلاق الخط ؛ لكنها تراجع نفسها و تقرر أن تفتح الخط لتسمع الحديث و تعرف الحوار و المدهش أنها تعترف له و تطلب منه أن يغير وجهة نظره فى الحياة و يترك الشعر و العواطف، و يتفقان على اللقاء كل يوم بعد منصف الليل فى الثانية عشر ليلا ليتحدثان، و بعد عدة أيام يقرر أن يفعل ما طلبته منه لكنها تفاجئه بتغيير موقفها لأن الحب الذى وجدته من زوج أختها هو الذى أنقذ حياة أختها من الموت؛ فقد قرر الزوج أن يتبرع بكليته لزوجته؛ فى الوقت الذى فكرت هى فى الأمر مرات كثيرة بمنطق المكسب و الخسارة، و فى النهاية تتوقف القصة عند إصلاح العطل عند الاثنين، لذا أصبح ارتباط بعضهما بالآخر مجرد شيء بسيط أمام فكرة التغيير التى طرحها المؤلف، لاشك أن عطل التليفون هو المعادل الموضوعى لعطل الحياة التى كانت عند البطل و البطلة.
من خلال قراءة القصة نجد الكاتب استطاع أن يقدم لنا اللعبة القصصية بحكبة محكمة تتصاعد خطوطها و تختفى بعض التفاصيل البسيطة لتأخذنا لرؤية كلية للعمل فى النهاية و هى من أفضل قصص المجموعة و من القصص الجيدة بصفة عامة .
و فى قصة “قبلة على اليد” نجد عمر بطل القصة و الذى يعمل محررا صحفيا تحت التمرين فى جريدة أخبار اليوم يقابل أستاذة يحيى توفيق فى صالة التحرير و يسأله عما يفعل، يعرف أنه يهمل كليته مقابل العمل فيطلب منه أن يعاود المواظبة فى الكلية و يلتزم فى دروسة؛ يبدأ عمر فى التغيير، يشعر أنه يود أن يقبل يد أستاذه مثل باقى تلاميذ الدكتور يحيى لكنه لم يستطع لأن والده لم يعوده على ذلك، و يحدث الاستاذ بذلك و يبتسم أستاذه متفهما الأمر.
و حين يعود للبيت يجد والده مريضا جدا و يبدأ فى تقبيل يده كلما يدخل عليه صباحا و مساء، حتى صار الأمر عادة، وحين يذهب لأستاذه يقبل يده أيضا بشكل تلقائى فيقول له الأستاذ مبتسما:
– أنت قبلت يد والدك ؟! أنا سعيد من أجلك يا ولدى
و هنا يؤكد الكاتب على أن التربية و التعود فى البيت على شيء يؤدى لنتائج قادمة من تلك المقدمات، ونجد أن الكاتب عبود مصطفى عبود يعتمد فى النهاية على المفارقة فى نهاية القصة لكى يوازن بين عناصرها.
و فى قصة ناجح فرغلى يقدم لنا قصة غريبة، و رغم غرابتها إلا أنها من الممكن أن تحدث فى بعض أماكن من الريف البعيد، فالعسكرى ناجح لم يكن يعرف أن اسمه الحقيقى محمد، وحين يذهب للتجنيد و ينادوا على كل المجندين و ينادوا اسمه الحقيقى الذى لا يعرفه فيظل باقيا وحيدا لا يعرف سلاحه، ثم يذهب للمسئول عنهم و يقول له أنه لم يسمع اسمه و يكتشف فى النهاية أنهم نادوا على اسمه الحقيقى، و نجد أن القصة تعتمد على المفارقة كى توصل رسالتها متخذة من ضمير المتكلم أسلوبا لها كى يستطيع الكاتب أن يعبر بحرية و صدق عما يجول بخاطره، و استخدم الكاتب الأسلوب نفسه مع قصة “الأغا” ليقدم لنا صورة من الصور السيئة لبعض المصريين الذين يذهبون للعمل بالخارج، ويحاولون إيذاء زملاءهم المصريين رغم أنهم يكونون أحيانا أقارب لهم أو زملاء أكلوا معهم كما يقال عيش و ملح؛ لكن الغيرة وحالة التقزم الفسى لدى البعض تجعلهم ينتقمون حتى من أقرب الناس منهم .
لاشك أن تلك الشخصية لم تصل لهذا الأمر من تلقاء نفسها لكنها تعرضت فى الصغر لحالة من التنمر و تم وصمها بأنها شخصية بليدة و قذرة فكان يجب أن تواصل دعم تلك الصفات حتى تصل كما يقال لأقصى مدى، و بالفعل وصلت لهذا المنحنى السيئ من العلاقة بينها وبين من حولها، فيقول الكاتب:” أما أنا فكنت أنفث غلي و حقدى فى باقى المصريين، كلما نجح سلامة أزيد أنا فى التضيق عليهم، حتى واتتني الفرصة أخيرا للكيد له عند نواف”
و فى قصة “البحث عن درجة” يأخذنا الكاتب فى رحلة للبحث عن درجة رأفة فى مادة الشريعة كى يجتاز الفرقة الثالثة إلى الفرقة الرابعة لأنه راسب فى ثلاثة مواد و إلا سيرسب و يذهب للتجنيد، ويذهب لمحاولة إقناع وكيل الكلية ومعه هدية لكنه يتعرض للطرد حتى يقابل رئيس الكنترول و يكتشفوا أن حساب درجاته خطأ و أنه ناجح !!
من خلال تلك النماذج القصصية من المجموعة نستطيع أن نضع يدنا على روح و فلسفة تلك المجموعة القصصية الجديرة بالقراءة و المحبة.