محمد جبريل
أول جلوسي إلى السندباد المصري حسين فوزي في موضع التلميذ من الأستاذ، عندما استمعت إليه – محاضرًا – في مبنى المساء القديم بشارع الصحافة، عن الخطة المستقبلية لوزارة الثقافة. تكلم بوعي المثقف، وخبرة العالم الأكاديمي، ومسئولية وكيل الوزارة.
استأذنته في حوار، فدعاني لزيارته في شقته الواسعة المطلة على حدائق الحيوان بالجيزة. أهداني – وهو يودعني – كتابين له: حديث السندباد القديم، وسندباد عصري. اتخذته – من يومها – أستاذًا كما تلمذة المريد لشيخ الصوفية، لا يتعالى، ولا يبخل بعلمه، ولا يسخف الأسئلة، لكنه يحرص أن يكون الأخذ والرد حوارًا بين صديقين، بصرف النظر عن فارق السن أو المكانة.
قرأت طبعة هيئة قصور الثقافة من كتاب حسين فوزي” سندباد عصري”. أتصور لو أن الكاتب قرأ هذه الطبعة، فسيلجأ إلى كلمات غاضبة، بكل اللغات التي كان يجيدها، ولن يقبل بتهدئة غضبه إلّا إن ألغيت هذه الطبعة، كأنها لم تكن!
بدأ معد الطبعة بحذف كلمات صدّر بها حسين فوزي طبعة كتابه الأولى، وهي كلمات تعكس منهج الكتاب.
لم يكن الإعجاب بكل ما هو غربي مجرد كلمات يعبر بها عن تأثره بالثقافة الغربية، لكنه كان يجد في سلوكيات الأوروبيين ما يجدر بنا أن نمارسه. حدد لي موعدًا في الثالثة بعد الظهر. لاحظ ترددي. لا قيلولة عندي، تلك عادة سخيفة، النهار للعمل، والليل للنوم. وشكوت له من الأسماء المتباينة للأمكنة والأعلام في الوطن العربي. قال: الحروف اللاتينية تعينك على النطق الصحيح. ورغم اعتزازه بصداقة توفيق الحكيم، حتى أنه أهداه أحد كتبه، فقد كان رأيه أن يقصر الحكيم إبداعه غلى البيئة المحلية. العالمية لن تتحقق بمحاولة تجاوز الواقع إلى مجتمعات ربما لم نحسن التعرف إليها. ووجد في الصياغة الحديثة لموسيقى سيد درويش ما أفقد أعمال موسيقار الشعب ملامحها المتفردة. السيمفونيات عالم مستقل عن الموسيقي الجماهيرية، والخلط يسيء إلى المعنيين!
مع ذلك، فإن إعجاب حسين فوزي بكل ما هو غربي لم يكن في إطلاقه، ففي رأيه أن الحضارة الأوروبية، لم تبلغ الغاية التي نادى بها الفلاسفة والمصلحون، فليس لهؤلاء – مع الأسف – سلاح غير العقيدة والرأي الحر، بينما يسطو الرجال العمليون على نتاج قرائحهم فيسخرونه لأغراضهم. التفكير الحر هو الصمام الدائم الذي تملك به الحضارة إصلاح ذاتها بذاتها.
امتد الحذف إلى أسماء العديد من الشخصيات والأمكنة التي عرض لها السندباد في جولاته البحرية.
حملت االسفينة – والكلام لحسين فوزي – بعثة علمية من أهم البعثات البحرية في القرن العشرين. وكانت الصحف تردد اسمها طوال رحلتها، وإلى بقية العام الذي عادت فيه إلى قاعدتها بالإسكندرية. إنجاز علمي مصري عالمي، ولأن السفينة اسمها ” مباحث” فقد وضع المعد نقاطًا بدلًا من الاسم، درءًا – فيما يبدو – للقيل والقال!
لهيئة قصور الثقافة دورها الذي نقدره في تيسير وصول الكتاب إلى قارئه، من خلال طبعات شعبية بسعر رمزي، قياسًا إلى الأسعار المرتفعة لكتب دور النشر الأخرى، ومنها – للأسف – هيئة الكتاب.
ظني أن أحدًا لم يدفع هيئة قصور الثقافة إلى إصدار هذه الطبعة المعيبة. وجد من لا أعرفه في الكتاب ما يستحق إعادة نشره في طبعة شعبية، وكان عليه أن يصدر الكتاب بالصورة التي حفزته إلى إعادة نشره.
إذا كانت حقوق المكية الفكرية قد زالت بانقضاء الفترة القانونية، فإن التدخل في ” النص” بالإضافة، أو الحذف، أو التعديل على أي نحو، خطأ يستوجب المساءلة!
محمد جبريل