فى أوائل الخمسينيات، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مشروع حلف بغداد بهدف إرساء سياسة جديدة للشرق الأوسط من خلال حلف عسكرى يربط دول المنطقة بالغرب. رفضت مصر، وأيدتها معظم الدول العربية، مشروع اتفاقية الدفاع المشترك الغربية، وفى المقابل وقعت اتفاقيات عربية – عربية بين مصر وسوريا والسعودية.
وعقب عدوان 1956 قدم الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور مشروعًا سماه سد الفراغ في الشرق الأوسط. وواجه المشروع رفضًا عربيًا حاسمًا، أسفر عن تلاشيه.
ثم عادت المشروعات – فيما بعد – في صورة جديدة باسم الشرق الأوسط الكبير. لكنها واجهت موقفًا يتراوح بين اللامبالاة والرفض، ويعبر بعامة عن عدم الاقتناع.
والحق أنى أرفض تسمية الشرق الأوسط – أعبر عن قناعتى ولا أنكر التسمية المستقرة – لكن التسميات المقحمة والمغرضة استقرت في حياتنا بالقهر والإلحاح السياسي والإعلامي، بحيث أصبح الدفاع عن المبدأ والهوية دفاعًا عن الحياة في ذاتها .
تسمية هذه المنطقة – وهو ما تؤكده حقائق التاريخ والجغرافيا، والأنثربولوجيا بعامة – هي المنطقة العربية، وأن تنشأ في المنطقة دولة غير عربية، فلا يعني ذلك أن أغير اسمي، أو صفة البيت، أو اسم الشارع أو المنطقة التي يقع فيها البيت.
هذا مجرد مثل مبسط للقضية، وإن كنت على ثقة أنها تحمل من التعقيد ما يجعل منها خطرًا، ليس على مستوى القضية الفلسطينية وحدها، ولا على المنطقة العربية فحسب، وإنما على سلام العالم جميعًا.
المخطط أخطر من محاولة فرض تسمية. إنه حلقة جديدة في سلسلة لا تنتهي من محاولات تذويب المنطقة العربية، أو إلباسها ثوبًا غريبًا يختلف عما ألفته عبر آلاف السنين.
الشرق أوسطية.. تعبير جديد، ظهر في حياتنا منذ أعوام قليلة، لكنه – بإصرار الإعلام الغربي ولامبالاتنا – أصبح متداولًا, فلا تستوقفنا خطورته.
ولغياب الفعل العربي، أو رد الفعل العربي، فقد تسللت إلى حياتنا تعبيرات أخرى تدور حول نفس المعنى، لعل أخطرها ثقافة حوض البحر المتوسط.. فهي تجعل من الدول التي تطل على البحر المتوسط إقليمًا،يفرض عزلة بين دول البحر المتوسط العربية وغيرها من أقطار االوطن العربي.
تغيظني اللامبالاة التي نواجه بها هذه المحاولات المتسللة للسطو على هويتنا العربية.
هذه المنطقة اسمها المنطقة العربية، واسمها المشرق العربى، وهى بعض أقاليم الوطن العربى.. وإذا كنا قد قبلنا بتسمية الشرق الأوسط لأن تركيا وإيران تنتميان إلى المنطقة، فإن كل الخطر فى قبول تسمية ثقافة البحر المتوسط، لأنها تستهدف الثقافة التي تعني الحضارة والتاريخ والفكر والإبداع.
استنمنا إلى الرأي بأن العالم لا يعرف إلا منطق القوة، وحسبنا أنفسنا من غير الأقوياء، مع أننا نملك قوى بشرية واقتصادية، لو أننا أحسنا استغلالها لتغيرت أوضاع كثيرة..
تركنا الساحة خالية للإعلام الغربي، يبث فيها أساطيره على الرأى العام العالمي، حتى أنه استطاع التسلل بمعلومات مضللة إلى تاريخنا الحديث من خلال مطبوعات طبعت بالعربية، وقرأها المواطن العربى ، خليط من ثقافات متباينة، تحاول أن تنتسب إلى ثقافة المنطقة. ولأنه من المستحيل أن تعترف بعروبة الثقافة، فقد لجأت إلى تسمية ثقافة البحر المتوسط.. وهى تسمية تستهدف القفز فوق المستحيل، بل والسطو على كل معطيات الثقافة العربية في ثقافة العالم.
تسمية الشرق الأوسط مشابهة في التركيب لتسمية العالم الثالث. لماذا يضم الشرق الأوسط هذه المجموعة من الدول؟ ولماذا يضم العالم الثالث هذه المجموعة من الدول؟ ما المقومات التي يستند إليها قرار الضم؟ وما الأرقام المدعمة لترتيب الدول من الأولى إلى الثالث؟
لنتفق على أن الاحتلال أصدق من الاستعمار، بل إن لفظة الاستعمار مجافية تمامًا للمعنى الذي تعبر عنه. الاستعمار من العمران، بينما الاحتلال هو التعبير الصحيح لممارسات الكيانات الأقوى ضد الكيانات الأضعف.
الكثير من الدول تخاطب العالم في قنوات ناطقة بعديد اللغات، وهو ما تصنعه بعض أقطارنا العربية.
لماذا لا يتحد التشرذم في جهد عربي موحد، يتجه إلى المتلقي الأجنبي بخطاب، خلفيته الحضارة العريقة، واتساع المساحة، والكثافة السكانية.
الخطاب الإعلامي إلى الخارج مسئولية مشتركة، أبعادها الأقطار العربية جميعًا، من خلال سياسة موحدة تحرص على الحد الأدنى من وجهة النظر التي تعيد الحضارة العربية، الهوية العربية، إلى الأذهان، ووضع الحاضر العربي في مكانته الصحيحة، التي تختلف عن المكانة التي وضعها فيه الإعلام الغربي، وتستشرف المستقبل العربي في آفاقه الواعدة.
كما أرى، فإن مئات القنوات الفضائية العربية – لا مبالغة! – تصدعنا بخلافات حقيقية أو مزعومة، واتهامات بالتآمر والمكائد، ومحاولات للتشويه، وهو ما يفيد منه – بالقطع – إعلام الغرب، بينما الصورة التي نأمل أن نتجه بها إلى ” الآخر” تظل غائبة.
غاب الهنود الحمر عن إعلام الغرب. حل العرب بدلًا منهم: الدشداشة والعقال والحريم وقبح المنظر والعنف.
إن صورة المسجد والهلال ترتبط في الإعلام الغربي بالكلاشنكوف والمسدس والقنبلة.
لماذا يقتصر الإرهاب والوحشية والتخلف على المسلمين والعرب، في حين يغيب عن الديانات والقوميات الأخرى؟