هناك فارق واضح وجلي لايخفى عن أصحاب الألباب بين الإسلام الوسطي والتدين السليم وبين الغلو والتطرف والتشدد، فالثاني يقتل ويحرق ويدمر بينما الأول يبني ويشيد ويعمر، وقد شهدنا أثره عبر أعظم حضارة فكرية وعلمية شهدتها الإنسانية وامتدت من القرن الثامن الى القرن الخامس عشر الميلادي.
الحقيقة التي تغيب عن البعض أحياناً ــ أو كثيراً ــ أن المسلم “المعتدل” لديه دور واضح في خدمة مجتمعه فهو لايسرق ولايرتشي ولايخرب، كما أنه يؤدي عمله بأفضل مايكون ولايبيع ضميره أو وطنه مهما كانت المغريات.. عكس النوع الآخر الذي يسير على العكس تماماً، فمن باعوا الأوطان وساروا في طريق الشيطان، انطلقوا من بوابة التطرف والغلو قبل أن يتحولوا الى معاول هدم في أيدي الأعداء.
الإشكالية تتمثل في الخلط الذي يقع فيه البعض بين النوعين، ولانبالغ لو قلنا أن هذا الخلط يعد السبب الرئيسي في تراجع معظم البلدان الإسلامية، لأن معاركنا الثقافية خاصة المتعلقة بالدين تسير في الإتجاه الخاطيء والتشخيص الخاطيء يؤدي بالضرورة الى نتائج خاطئة.
هذا الخلط في المفاهيم يعد الدافع الأكبر لمن يتوجهون باللوم أو النقد أو التشكيك الى مؤسسة الأزهر بشكل عام أو لشيخه فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب بشكل خاص، اعتقاداً بأن ذلك يحقق السلام والهدوء والسكينة للمجتمع.
هذا لو افترضنا أن النوايا مخلصة، فلا يمكن انكار أن هناك تياراً من مدعي الثقافة اعتادوا على الطعن في أمور معلومة من الدين بالضرورها ولم ينكرها أحد قبلهم، بل واللجوء الى أسلوب التدليس والتزييف في التصريحات المنسوبة الى شيخ الأزهر لتصوير الوضع على غير مراده لسبب أو أسباب قد تكون غير مفهومة وتستعصي على الفهم في الكثير من الأحيان.
***
الحملات الضارية لا تتوقف لاستهداف الأزهر، تنطلق دائماً من بوابة التشكيل في التراث أو بالأحرى بعض المسائل الشاذة التي يتم تدريسها دون اعتبار الى أن تدريس الأصول والأراء المختلفة وحتى الشاذ منها المقصود منه في المقام الأول تحصين الدارسين بإعتبارهم علماء المستقبل، ولم يقل أحد لفضائيات وإعلام الفتنة أن ينقل تلك الشبهات الى المنصات الإعلامية لتلبيس الأمور والطعن في الدين.
هذه المحاولات التي لا تتوقف لعرض ــ والتركيز ــ على الموضوعات الشاذة التي يتم تدريسها بمثابة العبث بعينه، لأن تدريسها هدفه التثقيف والعلم والتحصين وليس بهدف نقلها الى الناس للعمل بها مثلما يروج المغرضون، ولو أنصف هؤلاء المشككون لقالوا لنا أو أجابونا على هذا السؤال: هل ستختفي تلك الشبهات الموجودة في التراث من الوجود بمجرد وقف تدريسها في الأزهر.. أم ستتزايد ولن تجد وقتئذ من يفندها ويرد عليها؟!
الإجابة ببساطة أن تلك الموضوعات “الشاذة” التي تتعارض مع مباديء الإسلام السمحة والمعتدلة موجودة على الإنترنت لمن يشاء مثلما تتواجد بحوذة الجماعات المتطرفة التي تتعامل معها كمرجعية لخداع الناس بينما هم في واقع الأمر أداة في أيد دول كبرى لتنفيذ أجندات ومخططات سياسية ويتنقلون هنا وهناك بقرار من قيادتهم، ولا أعتقد أن هذا الأمر مازال خافياً على أحد فالموضوع بات مكشوفاً ومفضوحاً للقاصي والداني.
مخطيء من يتصور أن المشكلة في الأزهر أو في شيخه المثقف الذي يستوعب القضايا العصرية المستحدثة خاصة تلك التي تتعلق بحقوق المرأة، بشرط الا يتعارض الأمر مع صحيح الإسلام، وتلك هي الإشكالية الكبرى لأن من يتربصون بالدين الحنيف لن تأتيهم الجرأة ليعلنوا موقفهم الرامي الى الطعن في الأصول والثوابت الدينية والأخلاقية ويأخذون من الأزهر والإمام الأكبر مدخلاً لتشكيك الناس في دينهم.
“الأزهر” المؤسسة الدينية والتعليمية والثقافية والمرجعية الأولى لأهل السنة على مستوى العالم، ظل منارة علمية وتنويرية لمصر والمنطقة على مدار أكثر من ألف عام، وسيظل شامخاً يؤدي دوره وواجبه في مواجهة دعوات التضليل والتزييف ونشر الخلاعة والإنحلال ولو كره الكارهون.