نفسي أفهم سر التسمية التى تطلق الآن على الوطن العربي، وهي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تسمية أطلقتها وسائل إعلام الغرب، ثم تبنتها – كالعادة – وسائل الإعلام العربية، وصارت-للأسف – تسمية مستقرة.
تسمية جامعة الدول العربية تؤكد معنى الوطن العربي بتعدد أقطاره، هي جامعة الأقطار العربية، تقتصر على الأقطار ذات الهوية العربية، فلا مجال لهويات أخري تحت مسميات مرفوضة كالشرق الأوسط الكبير وغيرها.
الدعوة إلى الشرق أوسطية، فضلًا عن الدعوة إلى الكوكبية، والعالمية، وغيرها من المسميات، تتحدث عن العالم باعتباره قرية واحدة ، وهى – في حقيقتها – محاولات لتقويض الخصوصية والهوية، فالصلة تغيب بين الحاضر وبين الماضى والتراث ، وصورة المستقبل تبدو ضبابية، بل غائبة كذلك.
التحديث يرتبط – فى غالبية الكتابات – بالغرب. أما التقليد فيرتبط بالشرق. لا تناقش تمازج التحديث والتقليد، المعاصرة والأصالة، الجديد والقديم، الديناميكية والاستاتيكية.. ذلك خطأ علمى – أو لنقل خطأ منهجى – فالصرامة الحدية يصعب أن تكون سمة للحياة المعاشة، لأن التحديد يعنى أن ما ينتسب إلى التحديث في هذه الآونة، سيصبح تقليدًا فى قادم الأيام.
يستند المجتمع إلى قيم وعادات وتقاليد وموروثات، لكنه عصرى تمامًا فى تطوره المدنى، العلمى والتكنولوجى.
لم تعد الدولة المستقلة مجرد نشيد وطنى وعلم، لكنها قدرة على مسايرة العصر، أو مواجهته بالقدرة الدفاعية، والاقتصاد المتنامى، والعدالة الاجتماعية، وحرية الفرد والجماعة والإعلام، واللحاق بثورات العصر فى مجالات العلم والتكنولوجيا.
لماذا لا نحاول تفعيل المعاهدات الموقعة بين قيادات الأقطار العربية، مثل السوق العربية المشتركة، والدفاع العربى المشترك، وغيرها؟
إذا كان الأمر صعبًا، فلماذا لا نبدأ بالمتاح؟ لماذا لا نوقع قوانين تقربنا من الهدف الرئيس، قوانين تستهدف التعاون والتكامل وتحقيق الاكتفاء الذاتى بين الأقطار العربية فى المنطقة؟.
أضيف: لماذا لا نحرص على تسمية الشرق العربى، أو الوطن العربى، بدلًا من تسمية الشرق الأوسط ؟
أشير كذلك إلى تسمية المجتمع الدولي. المعنى ينطبق – بالضرورة – على بلاد الله.. خلق الله، على كل القارات والعواصم والمدن واختلاف المصالح والأيديولوجيات. لكن الدول الكبرى – لا أذكر أسماءها، فأنت تعرفها – تصر أن تقتصر التسمية عليها، هي المجتمع الدولي، تقرر ما تراه تعبيرًا عن مجتمع العالم، تقبل ما تتصوره مناسبًا لصالح البشرية، ترفض ما تتوهمه عكس ذلك، تشن المعارك، وتدعو إلى السلم، حسب احتياجاتها، وما تستدعيه مخططاتها الاستراتيجية.
المجتمع الدولي – بأبسط عبارة – ليس فقط الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لكنه كل الدول التي تشكل خريطة العالم.
حين تنسب الدول الكبرى إلى نفسها تسمية المجتمع الدولي، فإنها تفرض وصاية مرفوضة على بقية دول العالم، بل إنها تلغي معني المشاركة في صياغة حاضر العالم ومستقبله،
هل من المتصور – وأعترف بسذاجة االتشبيه – أن أسمي فريق ليفربول لكرة القدم باسم فريق محمد صلاح، لمجرد أنه أبرز لاعبيه؟!
حين اقتحمت كورونا حياتنا لم تستوقفها تسمية المجتمع الدولي، اجتاحت دول العالم بصرف النظر عن مكانتها، بل إن الدول الكبرى أضيرت من تأثيرات الوباء أضعاف ما لحق بالدول التي لم ينسبها السادة الكبار إلى المجتمع الدولي!
وكان للحرب الروسية على أوكرانيا تأثيراتها السلبية في مجال الغذاء على الكثير من دول العالم الثالث، بينما تعرضت الدول التي تسمت بالمجتمع الدولي إلى أزمة وقود هائلة، تشي بالكثير، الخطير، في الشتاء القادم.
الملاحظ أن دول المجتمع الدولي ( ! ) لجأت – في أعلى مستوياتها السياسية – إلى خطب الدول التي حرصت على نزع التسمية عنها.
أذكرك بكم الزيارات من مسئولي دول” المجتمع الدولي” إلى الدول التي أثبتت تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية أنها رقم صعب، بل إن تسمية المجتمع الدولي بدونها فارغة، وبلا معنى.