المدرسة مؤسسة تربوية تقوم على نهضتها المجتمعات، وهي قادرة على تغيير نظام المجتمع بما تملكه من وسائلَ تربويةٍ حديثة، تؤهلها لعلاج جوانب القصور التي تحدث، سواء في التربية المنزلية أو المجتمعية، وهي بذلك تعتني بتعزيز الدور الاجتماعي الذي يلبّي احتياجاتِ الطالب النفسية والاجتماعية بأسلوب الحوار التربوي، من خلال المنهج الدراسي، وطرائق التدريس، والأنشطة الصفية وغير الصفية، فالمدرسة هي الهدف الأساسي لكل الجهود المبذولة لإصلاح المجتمع.
لذلك تستطيع المدرسة باستخدامها للحوار أن تواجه الثقافاتِ والعادات التي تقف أمام تحقيق التنمية الشاملة، ومن بين هذه الثقافات والعادات الثأر بمفهومِه القَبَلي وبعاداته الدموية المنتشرة ببعض ربوع قرى محافظات الصعيد.
كما تبيّن أن ثقافة الثأر ترفض الحوارَ والمناقشة، ولا تمعن العقل. والمنزلُ والمجتمع المحيط يغذّي أفراده بها وبنشّئهم على رفض كافة أنواع الحوار مع الآخر المختلف معه، فيتولد العنف والعنف الدموي، فتنفضّ مِن حول هذه المجتمعات الجهودُ المبذولة للتنمية، فلا سبيل لعودتها سوى قيام المؤسسات التربوية، وخاصةً المَدرسة في هذه المجتمعات بدورها التربوي في تنشئة أفراده على تنمية الحوار، ليصبح فيما بينهم أسلوبًا لحياتهم اليومية، خاصةً أن الأجيال القادمة تتطلع إلى مواكبة الثورات التكنولوجية والمعلوماتية والرقمية، وترفض هذا الموروث المظلِم المثقل على كاهلهم.
وتنميةُ الحوار تتحقق مِن خلال آليات الحوار المعاصرة، والمتمثلة في الندوات الثقافية التي تتيح للطلاب إكسابَ المعارف عن طريق الحوار مع ضيف الندوة ومدير الحوار، وكذلك مجلس الحوار الطلابي والذى يتدرب فيه الطلاب على الحوار الفعّال والناجح والمثمر، لمواجهة المشكلات وإبراز الجانب الإيجابي لوضع حلول بنّاءة لكل معوقات الحوار.
كما تعَد السياحة الداخلية، والرحلات المدرسية، منهجًا ذا فائدةٍ عملية في تقريب وجهات النظر وإحداث تفاعل اجتماعي وإيجابي يمكن أن ينتقل أثره إلى الحد من الخصومات الثأرية وتغييرِ ثقافة العنف والثأر. حيث إن زيارة طلاب المدارس للمزارات والمعالم التاريخية يغرس فيهم الرغبةَ في المعرفة التي تجعلهم يمعِنون العقل والتفكير فيما يشاهدونه، وتتولد لديهم الرغبة في الحوار لرسم مستقبلهم القريب بفاعلية ورُقي.
أمّا البرلمان المدرسي، فهو فرصة يطّلِع مِن خلالها الطلاب على حقوقهم وواجباتهم وكيفية المطالبة بحقوقهم، والتدريب على التعايش وممارسة المواطنة بشكل مدرسي مصغر، والحرص على أداء واجباتهم للعيش في مجتمع مدني يتعايش فيه الأفراد مع بعضهم البعض، برغم اختلاف معتقداتهم وميولهم واتجاهاتهم وألوانهم وأفكارهم، إنما الكل يحصل على حقوقه ويؤدى واجباتِه.
ومن خلال تحقيق آليات الحوار السابقة تتشكل في نفوس الطلاب وعقولهم اتجاهات إيجابية نحو تجنّب الثأر وما يرتبط به من عنفٍ واتجاهات سلبية في الحرص على درءِ مخاطر الثأر في الوقت المعاصر لصالح الأجيال المقبِلة، وتحقيق المناخ الملائم للتنمية المستدامة في تلك المجتمعات الثأرية.