أن يتذيل الفريق الأولمبي لكرة القدم نهائيات الدورة الإفريقية، التي أجريت في ملاعبنا، وتلاشي التصور بأن الأرض تلعب مع أصحابها، فلعل أول التوقعات أن يقدم مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم استقالته، مصحوبة باعتذار إلى الجماهير المصرية التي صدمها ضياع الأمل في تبدل الأحوال.
الأسماء تذكرنا بلعبة الكراسي الموسيقية، تقتصر – أو تكاد – على مجموعة محدودة، ومحددة، يسهل تبين الفشل الذي تعانيه الكرة المصرية على أيديهم، من صخب تبرئة الذات، واتهام الآخرين، الكل يتهم الكل، والضحية – دومًا – مدربون ولاعبون يدفعون ثمن الأخطاء التي ارتكبها من التصقوا بالكراسي الموسيقية، فهي لم تعد كذلك.
تتعالى الأصوات في أعقاب الخطأ، الجريمة، وتتراشق الاتهامات، فتتشوش الحقيقة إلا في الخسارة المتكررة، وفي تصور من ورثوا الكراسي عن الآباءأن إدارة الاتحاد مقصورة عليهم، لا شأن لها بحسابات الربح والخسارة.
ما حدث للفريق الأولمبي وجه واحد من الصورة. ثمة وجوه أخرى تطالعنا في المراكز المتدنية للأندية الجماهيرية ( قلبي مع الإسماعيلي! ) أو تعثرها في غيابات المظاليم ( ونتذكر الأولمبي وأسيوط ودمنهور والمنيا والشرقية والمنصورة وبلدية المحلة وغيرها ) مقابلًا لتسيد أندية الشركات، وما نتج عنها – بطبيعة الحال – من غياب الجماهير عن معظم المباريات، فتبدو – باقتصارها على الاحتياطيين والأطقم الفنية – كأنها في تقسيمة!
كما تعلم، فإن الأساس القوي شرط تماسك البناء، وقوة الأندية الشعبية ضرورة لتكوين المنتخبات بالمواهب التي لا تلبث أن تتخاطفها دكة الاحتياطي في مباريات القطبين، وفي فرق الشركات التي تستهدف الترويج لمنتجاتها.
الشركات العالمية تفيد من حق الرعاية في الترويج لمبيعاتها، تضع اسمها على الفانلات، ويطالعنا الاسم في الملاعب، وعلى شاشة التليفزيون. قد يكون لتلك الشركات فرقها الرياضية التي تعكس أنشطتها الاجتماعية في إطار مجالها المهني، لكنها لا تشتري فرقًا على الجاهز، قوامها لاعبون من الفرق الشعبية، تركوا أنديتهم، لعجزها عن تدبير المقابل الذي تقاضوه من الشركات.
كم حزنت لإعلان أندية شعبية تنازلها عن بعض لاعبيها للإسماعيلي، حتى يكتمل الفريق الذي فرغ قوامه بفعل فاعل، ويستعيد موقعه المتقدم في الدوري الممتاز لكرة القدم.
عاني شيخ النقاد الرياضيين الراحل نجيب المستكاوي من سخط جماهير القطبين الأهلى والزمالك، وجد في انفرادهما بالقمة ما يستدعي المراجعة، وتوسيع قاعدة المشاركة الحقيقية، من خلال فرق لها جماهيريتها، وحظها من اللاعبين الذين تعدهم في ملاعبها، فلا يتركون أنديتهم سعيًا وراء المغريات المادية.
ملاحظة المستكاوي تتجاوزها الظاهرة الأخرى، الحاضرة، وهي أندية الشركات بما تملكه من الموارد والقدرات.
من حق الأندية الشعبية أن تكون لها طموحاتها في مسابقات اتحاد كرة القدم، من حقها أن تتطلع إلى تغيير نمطية قائمة ترتيب فرق الدوري، لا تقتصر – إلّا نادرًا – على الأهلي والزمالك، إضافة إلى التغير الذي أحدثته فرق شركات تملك الموارد بما حفز مسئوليها على القول إن فرقهم لا تطمع في مجرد البقاء، لكنها تحرص – منذ البداية – على المنافسة.
إذا كانت الشركات تملك الموارد التي تتيح لها شراء نجوم الأندية الأخرى بمخصصات مرتفعة (وهو ما انعكس في الأرقام الحالية لعقود لاعبي الكرة التي تنافس عقود نجوم الكرة في الأندية العالمية) فإنها تعاني الجدب الجماهيري الذى قصر مشجعي مبارياتها على عدد من العاملين، ينتمون إلى أندية جماهيرية، لكنهم يشاركون في تشجيع فرق شركاتهم، بالأمر، وبالحافز المادي!
لا أوافق، ولا أرفض، شكوى الأندية الشعبية من الظلم الإداري والتحكيمي الذي يعانيه دوري كرة القدم بصورته الحالية،فلن يتحقق العدل إن اقتصرنا على تبرئة الذات، وإلقاء التهم على الآخرين.
أفلحت أقلام متسللة إلى الفيس بوك في اختلاق المعارك السخيفة بين جماهير الأندية الجماهيرية ( الاتحاد السكندري والإسماعيلي والمصري مثلًا ). تحولت وسائل الاتصال الاجتماعي إلى ساحة معارك ساذجة، وسخيفة، وغير مسئولة، منافرات لا معنى لها، مثقلة بالمعايرات والشتائم باسم جمهور أحد الأندية ضد جمهور ناد آخر، يتغلب الانفعال على الوعي، بما يراكم السلبيات التي تعانيها الفرق الشعبية.
محاولة استعادة الصورة الصحيحة، تأتي باقتصار فرق الشركات على مسابقاتها الخاصة، من خلال دوري الشركات. وللرواج الإعلاني فإن للشركات الحق في التعاقد على حق الرعاية مع ناد شعبي، أو أكثر، وهو ما يحدث بالفعل في بلادنا، وفي كل الدنيا.
الطبعات الأخيرة من قوائم ترتيب الأندية تشير إلى أسبقية من لحق بقطار الدوي الممتاز منذ عامين،حظى بموضعهالمتقدم، عبر موارد مالية هي جزء من ميزانيته للإعلان، بالإضافة إلى ما قد يجود به من حقوق الرعاية للأندية الجماهيرية.
أتابع مباريات كرة القدم في ملاعب العالم. أتفاعل مع الجماهير التي تملأ الدرجات، يأخذني الإحباط لرؤية مدرجات ملاعبنا الخالية. وأتذكر الثري الذي اشترى ناديًا من بابه، وبّدل اسم الفريق، وإن لم يستطع تبديل جمهوره، فرأينا سماسرته على شاشة التليفزيون يعرضون – بحوافز مادية – علىرواد القهاوي تعويض الفريق عن خسارة مشجعيه!
أخشى أن الأحوال ستظل على ما هي عليه – وربما تفاقمت – ما لم نفطن إلى خطورة التوريث والمجاملة والشللية وجبر الخواطر وغيرها من المسميات التى تلقي ظلالها على المنتخبات الوطنية.