حين شاهدت معالجة جديدة لواحد من أحد أهم نصوصه المسرحية (رجل القلعة) من إخراج الصديق ناصر عبد المنعم فى قاعة الغد، خرجت من المسرح وأنا منهار تماما من البكاء، فقد لمستنى بقوة تلك المواقف التى قدمها بعبقرية لافتة لا يمكن أن تنسى الممثل النابغ توفيق عبد الحميد وفريق العرض معه , حينها قلت للأستاذ محمد ابو العلا السلامونى حقيقة أنت مبدع ولم تحصل على حقك الكامل فى المتابعة النقدية التى تليق بهذا الوعى الفارق , يومها واتتنى فكرة أن يتناول العرض ثلاثة من النقاد بحيث يكتب كل منهم عن مجموعة من العناصر وقلت يمكن أن نجد صيغة ما للجمع بين الاطروحات النقدية الثلاث وكانت فلسفتى فى ذلك ترجع لأهمية العرض الذى يحتاج لمجهود كبير فى التحليل وبيان جمال الطرح ولكن للأسف الشديد لم تتحقق الفكرة.
لم يكن محمد أبو العلا السلامونى الا فارسا ذكيا مقداما وشرسا فى ميدان الكلمة يعرف تماما كيف يوظفها وينسج منها وجهة نظر واضحة تماما فيما يجرى من احداث متلاحقة , كان محبا للوطن منغمسا فى قضاياه الملحة وبخاصة فيما جرى بعد ثورة يناير , فلقد كتب العديد من النصوص والدراسات المشتبكة مع راهن قضايا تلك الفترة المعقدة , عاصرت بنفسى تلك المواقف التى كان يقف فيها بالمرصاد لأية أفكار تعيدنا للخلف , عاصرت مؤتمر المسرحيين ووقوفه ضد وزير الثقافة الذى جاء به الاخوان المسلمون، وعاصرت صياغته لمسرحية (المحروسة والمحروس) التى قدمت بالمسرح القومى من إخراج الصديق شادى سرور فى ذروة الاحداث الساخنة فهكذا كان الرجل وهكذا كانت مواقفه الدامغة على كرهه للتطرف وللأفكار الرجعية البالية
سبق وان تزاملت مع الاستاذ محمد فى لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة وكنت أشاهد بنفسى كيف يقطع من وقته ومن أيامه كى يعيد صياغة تناول جديد لاعضاء اللجنة وكيف يشتبك مع ما يطرح من افكار جديدة تخص أهمية تطوير المسرح فى بلدنا , شاهدت غيرته الشديدة على مشاركاتنا الدولية ودفاعه الجاد عن المبدعين الجدد ورضاه الذكى عن محاولات بعضهم لتقديم مسرحياته القديمة برؤى متجددة , وشاركته المسئولية أيضاعن المؤتمر الفكرى للمهرجان القومى للمسرح المصرى فترة تولى المخرج ناصر عبد المنعم رئاسة المهرجان وللحق كان يشارك يوميا فى النقاش ويراجع بنفسه كل توصية أو فكرة يمكن تطويرها
والله والله رغم حزنى الشديد للوفاة المباغتة التى فاجأتنا جميعا اليوم الا ان موقف الوفاة ذاته معبر وبجلاء عن رجل قضى حياته فى المعارك الثقافية , فقد توفى الرجل فى الوقت الذى كان يدافع فيه بقوة عن اهمية وجود مجلة المسرح المصرية كإصدار ورقى وعدم تحويلها لموقع الكترونى وذلك فى الاجتماع الذى عقد اليوم بالمركز القومى للمسرح المصرى , توفى وهو فى قمة انفعاله وغيرته على واحدة من اهم المجلات التى شكلت خيالنا مسرحيا , هكذا توفى رجل الكلمة فى قمة عطائه وتمسكه بالمواقف الجادة