في طريقة لقريته العريقة التي غاب عنها كثيراً، حمل قلبه حنيناً وشوقاً اليها وهو في لهفة لمشاهده كل شيء ظل في ذاكرته، الشوارع الضيقة والمزارع التي تحيط بها ، رائحة يوم السبت المميزة بالقرية ، المزارع والحصاد في الأجران موسم الكشك .
كان السائق يطوي الأرض طيا وهو غير مصدق لما يشاهد ، تلك المباني العالية والمحلات الكبيرة ، ازدحام السيارات ، المركبات الصغيرة التي تتحرك في كل الاتجاهات على ثلاث عجلات إنها الـ (توك تك) التطور الطبيعي للحركة ، قال للسائق :ما هذا؟ هل هذه قريتنا؟ ابتسم السائق …! نعم؟ لقد تغير الزمن يبدو أنك غادرت منذ فترة طويلة! انتابه شيء من الخوف والقلق وتخيل الكثير من الأحداث حين كان يعلب مع الأصدقاء ثم نذهب لانتظار أخر موعد مواصلات ربما نجد غائبا عزيزا لنا ومن بعيد نسمع اله التنبيه ( وصل أبو حسيبة ) كان رجلا كبير السن يرتدي سترة كسترة الجنود وبها الكثير من الجيوب ، يأتي من المدينة عائداً بمن كانوا بالسفر فهذا آخر موعد اليوم.
كل هذا دار في مخيلته وهو ينظر لما حوله وهو في حالة من التشظي الفكري ، يوماً ما سنكون بين طيات النسيان ،وتبقي كلماتنا وحكايتنا الصباحية , حين نستفيق ونحن في الطريق لمدارسنا نلهث خوفاً , من معلمينا الاجلاء , نسطر الحكاية تلو الأخرى بعدما ضاعت الكلمات وتناثرت الحروف بين ( صكالااله ، وكوز المحبة اتخرم ) حاول التعبير عن ما يدور بذاكرته من ذكريات ففاضت دموعه بدروبها وحاراتها الضيقة ،كان بوده أن يتريث الزمن قليلاً ينعم بقربه بين احضانها بعد طول انتظار ،ثم أخرج هاتفه المحمل بالصور القديمة وعاش معها يسترجع الماضي وحينما وصل الي المكان المعتاد المحفور في ذاكرته وكل أبناء قريته حين كانوا يتجمعون عليه أنه (الكوم ) مثلما كان يطلق عليه وفي صدره المسجد العتيق بمئذنته الشاهقة فلم يجد المسجد ولا مئذنته.. نظر من حوله في ارتياب ماذا حدث ؟لعل المكان تغير؟ لكن لم يجد شيئا.. نظر للأعلى متسأل الهلال الذي كان في السماء ،صوت الشيخ/ ثابت يرفع الأذان والشيخ/ توفيق يطرد الأطفال الذين يعبثون بالمسجد ،استطلع المكان ليجد بناء جديدا سيكون ذاك المسجد المنشود فلم يبق شيء على حاله.
قال له السائق: لقد وصلنا ، تفضل ؟هنا وقف وكأنه رجل غريب عن تلك البلدة ثم توجه لبيته وحينما جلس أخرج هاتفه والتقط بعض الصور وجلس لكن لم يأت أحد للسلام عليه ، فقد غادر الأقارب والأصدقاء البلدة، ثم تقدم لمكان النافذة القديمة والتي كان يعشق الجلوس جوارها مد يده لفتحها واذا بصوت عال بالمنزل لا تفتح النافذة ؟ انجزع كثيراً …. ماذا؟ لا تفتح النافذة؟ لا نريد أن ننظر الي هؤلاء اترك النافذة كما هي؟ عاد الي أريكته ومازال يحدق في النافذة، لكن لدية الكثير من الفضول على فتحها ، انتظر حين خرج الجميع تقدم نحوها ومد يده بقوة وفتح النافذة فوجئ بجدار من خلفها ولا توجد حارة أو منازل بل جدار أصم ،بكي وقال : جدار اصم في النافذة ؟ كتلك العلاقات التي أحدثها هذا الزمان فربما لم نحسن التعامل معه، اجلس أيها الغريب! فلا أهل ولا أقارب ولا جيران إنها الحياة الجديدة …. فأنت صكالااله ..!!