أعاني منذ أسبوع أو اكثر من ارتفاع ضغط الدم بصورة متواصلة رغم اتباعي أسلوب وقائي وعلاجي صارم لمواجهة الأمر، وعليه نصحني بعض الأصدقاء بالابتعاد مؤقتاً أو حتى دائماً عن السوشيال ميديا والتزمت ولكن على طريقة التلميذ الخايب الذي ينتهز أي فرصة ليتهرب من المذاكرة الى تلك الشاشات اللعينة.
على فترات متقطعة كنت أدخل لأرى ذلك العالم الإفتراضي الذي حصرنا أنفسنا فيه، فمعظمنا يقضى وقت فراغه في التصفح والانتقال بين البوستات التي يكتبها الأصدقاء الافتراضيين أو حتى الحقيقيين والكثير منها أصبح سودواياً أو من نسج خيال كاتبه.
لست بصدد تحليل محتوى لتلك البوستات لكي أتوصل الى الحقيقة ولماذا أصبحت نظرة الناس للأمور بهذه الصورة التي ترفع الضغط ” ضغطي وضغط غيري” ولكنها مجرد صخروة أو حجر القيه في المياه الراكدة لعله يفتح الباب مجدداً لمناقشة القضية واجراء المزيد من البحوث والدراسات الاجتماعية على الظاهرة التي تفشت وتتصاعد باستمرار، وهل يمكن الاستفادة منها في تغيير أسلوب التعليم بالنسبة لأبنائنا الصغار وحتى الكبار بالمدارس والجامعات.
حكاية الوقت المهدر على الفيس بوك وغيره من وسائل التواصل بحاجة إلى وقفة مع النفس، وإذا كانت معظم الأسر قد رفعت الراية البيضاء في مواجهة ذلك الوحش المخيف، فإن المؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والثقافية وأيضا الإقتصادية عليها واجب يتمثل في البحث والتقصي للوصول إلى حل لتلك الإشكالية التي يعاني منها كل بين من بيوت المحروسة.
***
بعد تجربة لابأس بها مع وسائل التواصل، أقر وأعترف بأنها باتت مشكلة كبرى ووسيلة لاضاعة الوقت من ناحية ونشر التشاحن والتناحر وربما القطيعة من ناحية أخرى، قد يكون الأمر مرتبطاً بتغير سلوك الناس عن الماضي ومن ثم تعد وسائل التواصل كاشفة للسلوكيات وليست صانعة لها ولكنها مع ذلك ساهمت بصورة كبيرة في شيوع السلوكيات الخاطئة وتحويلها من أمور شخصية الى ظواهر اجتماعية مع حرص الكثيرين على عرض تجاربهم الشخصية بما فيها من سلبيات.
صحيح أن وسائل التواصل قربت البعيد وأعادت الحياة لعلاقات قديمة انتهت وماتت وشبعت موتاً إما بسبب سفر وهجرة العديد من الأصدقاء والأقارب وسعيهم في أرض الله الواسعة أو لانشغالنا نحن في دوامة الحياة التي حرمتنا حتى من التواصل مع أقرب الناس.. لكنه “الفيس بوك وأخواته” كان السبب أيضاً في زيادة الأمر وحدوث مشاحنات قد تنتهي بالقطيعة لمجرد الخلاف حول قضية من القضايا أو حتى لتجاهل التعليق على المنشورات وتلك قصة أخرى.
الناس في حالة من الإستنفار والشحن الزائد بصورة شبة دائمة لدرجة أنه لم يعد مسموحاً في الكثير من الأحيان بمساحة بسيطة من الإختلاف المنطقي الذي تفرضه الطبيعة البشرية بصرف النظر عن الموضوع المطروح سواء كان اجتماعياً أو سياسياً أو رياضياَ، وضع عشرة خطوط أسفل كلمة رياضي ولاتحدثني عن الروح الرياضية أو حقي في الإختلاف، فموقف واحدواحد كفيل باحداث قطيعة بين الأصدقاء وكذلك الأهل، والنماذج أمامنا ونراها يومياً.
أما أخطر شيء في تصوري فيتمثل في تحول الفيس بوك الى ساحة لنشر الأكاذيب والتشهير بعباد الله خاصة عندما يتناول البعض قضايا تمس الشرف ويوجهون اتهامات لاتستند الى دليل وينقلها غيره دون أن يكلفوا أنفسهم ــ الناقل والمنقول عنه ــ عناء البحث عن الحقيقة أو التأكد من صحة الاتهامات قبل أن يقذف بها الأبرياء والناس يميلون عادة الى تصديق القصص المثيرة حتى لو كانت من نسج الخيال.
أيمن عبد الجواد
[email protected]