بقلم ✍️ أ.د عصام محمد عبدالقادر
( أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر)
تُسهم الميول المهنية بصورة وظيفية في إكساب الفرد للخبرات المتوقعة؛ حيث تعمل على توجيه اهتماماته نحو الممارسات التي تساعده على إتقان المهارات التي تتمحور حول الخبرة المرادة، بما يؤدي بالضرورة لإشباع احتياجاته النفسية والمهنية على السواء، وبما يسهم في تجويد الأداء الذي ينعكس بصورة مباشرة على الموهبة التي يمتلكها أو يمتلك بعض مقوماتها.
وتتباين صورة الميول المهنية من فرد لآخر؛ حيث توافرها يُسهم قطعا في حرص الفرد لأن تزيد اهتماماته ومطالعاته تجاه المهنة التي يؤديها، ومن ثم تزداد المهارات والخبرات التي تتعلق بها، وهذا الأمر يحقق معادلة نسعى جميعا أن ننالها، متمثلة في الرضا الوظيفي تجاه ما نقوم به من أعمال ومهام ترتبط ارتباطا وثيقا بالمهنة.
ولا يتوقف الأمر عند حد الرضا الوظيفي أو مستواه المرتفع، بل ينمو الأداء المهني في المسار المرغوب فيه، وهنا يتحقق النجاح تلو النجاح إلى أن نصل لمستوى راقٍ يتمثل في الابتكار أو الإبداع وفق طبيعة المهام ونتاجها الذي نتحصل عليها بشكل وظيفي أو ملموس، ومن يؤدي إلى تحسين مناخ العمل بصورة يستشعرها جميع منتسبيه أو القائمين عليه أو المكلفين بمهامه.
وفي ضوء ذلك يتوجب علينا وفق مجالاتنا المتنوعة والمتعددة أن نفهم طبيعة المهن ومجالاتها ومتطلباتها؛ حيث إن ذلك يساعد في تنمية الخبرات وفق مجالاتها النوعية، ويسهم في تنمية الثقة في النفس، ويزيد من الدافعية بصورة واضحة، ويعمل على مضاعفة الطاقات بغية تحقيق أداءات متقدمة، بما يحقق نجاحات غير متوقعة، ويحفز مسيرة الرقي والنهضة داخل المؤسسة أو مجال العمل.
وتتبلور ماهية الميول المهنية في مقدرة الفرد على القيام بأداء عمل نوعي وفق ما يمتلكه من خبرة في هذا المضمار، وبما يحقق نتاجا ملموسا مرتبطا بهذه الخبرة، يساعد في تحقيق غايات المؤسسة ويقوي لديه الرغبة في مواصلة الجهد والعمل، ويثابر تجاه اكتساب خبرات جديدة عبر تدريب وتعليم متواصل ومقصود؛ حيث يستشعر تقديره لذاته وحبه لعمله ورغبته في مواصلة الأداء بغية المزيد من التطلعات والآمال التي تحسن من مستويات الأداء لهذا العمل في ضوء رؤية مستقبلية واضحة في ذهنه.
وهناك من يرى أن الميول المهنية تُعد مؤشرا صادقا يجعل الفرد لأن ينخرط في مهنة بعينها؛ لامتلاكه فنياتها، بما يؤدي إلى تمكنه من مهاراتها ويساعده في كسب العيش منها، ويستثمر وقته في ممارساتها برضا وارتياح؛ لذا أضحت الميول المهنية متباينة من فرد لآخر.
وفي سياق ما ذكر من ماهية للميول المهنية نلاحظ أن طبيعة العمل وبيئته تفرض على الفرد أن يمتلك المهارات النوعية في تخصصه ومجاله؛ فيحسن التعبير عما يجول بخاطره، ويترجم مفردات الأداء بشكل صحيح يتسق مع معايير المهنة؛ ليصل من ذلك لمستوى الإبداع المهني والتخيل المصاحب لتطوير المهنة والرؤية المستقبلية في صورتها الترميزية أو الإجرائية لمستقبل هذه المهنة وفنياتها.
ويصعب بحال أن تتقدم الخبرات وتنمو في إطارها واتجاهها الصحيح بعيدا عن معايير وإجراءات تحكم طبيعة المهنية؛ فبرغم من ثقلها على النفس في بعض الأوقات؛ إلا أنها تمثل ضرورة قصوة وضمانة رئيسة لنجاح العمل وتحقيق أهدافه المنشودة؛ لذا ينبغي أن يمتلك الفرد قناعة تامة تحثه على أن يلتزم بنصوص القواعد والقوانين المنظمة لطبيعة العمل، بما يضمن الدقة في المواقيت والصلاحيات والمسئوليات التي تؤدي في المقابل لإتقان ودقة في إنجاز المهام.
ونتيجة للتواصل الفاعل بين أطراف ومجموعات العمل، تنمو بصورة تلقائية أو طبيعية مهارات التعاون تجاه العمل التشاركي، كما تبدو مهارات القيادة واضحة في مكون العمل الرئيس، وتتوالى صور التأثير والتأثر بين الأفراد ويصعب أن تتوارى ملامح التنافسية المحمودة بين الأفراد؛ نتيجة للحماسة التي تتزايد بتعضيد الأداء بإحدى أنماط التعزيز المادي منه والمعنوي، ولا مناص عن مخاطرات محسوبة.
وحرص الفرد على نمو الخبرة لديه يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعرفة التي يتلقاها والمعلومات التي يتحصل عليها؛ ليستطيع أن يحلل ويفسر ويستنتج ويستنبط وينتقد ويصدر أحكاما في ضوء معايير، ومن ثم يتشكل لديه جزءٌ رئيسٌ من الخبرة، يتمثل في المعرفة العميقة غير المشوبة، والتي تكون لديه أطر نظرية ومسلمات يرتكن إليها في أحكامه وصناعة واتخاذ قراراته بما لا يتعارض مع قوانين العمل المنظمة ولوائحه التنفيذية.
وفي الإطار الملموس أو المحسوس تصبح الجهود البدنية وفق ما تتضمنه من مهارات نوعية مترجمة لصورة الأداء الملاحظ أو الذي يمكن رصده أو نتمكن من قياسه في ضوء أدوات مقننة نزعم أنها تقيس ما وضع لقياسه لدى ما نستهدفه من جمهور وطبيعة أعمال في مناخ البيئة الفعلية للعمل، ومن الطبيعي أن يبذل الفرد كامل طاقته بغية تحقيق ما يصبو إليه من إنجاز مستهدف في إطار عمله.
ومن المعلوم بالضرورة أن تجمعات العمل تفرض صور التعاون بين منتسبيه؛ حيث نشاهده ونعيشه في أنماط الشراكة والمشاركة وسبل التواصل الفعالة، وطرائق التواصل المباشرة وغير المباشرة اللفظية منها وغير اللفظية، ومما لا شك فيه أن الاجتماعية الصحيحة تعد سابرًا لمناخ العمل السوي؛ فيحدث الوفاق والاتفاق تجاه ما هو مستهدف من الجماعة والأفراد على حد سواء.
ويبدو أن المعرفة والكفاءة الذاتية والانخراط والشعور بالأهمية تجاه العمل تعد لبنة رئيسة للميول المهنية لدى الفرد، ومن ثم يمكننا القول بأن بُعد المعرفة يشير إلى مدى رغبة الفرد في تعرف أكبر قدر من المعلومات مرتبطة بالمهنة، وبُعد الكفاءة الذاتية يشير إلى ما لدى الفرد من مهارات نوعية تساعده على النجاح في المهنة، ويهتم بُعد الانخراط بما لدى الفرد من مقدرة على المشاركة في الأعمال وعقد حوار يسفر عنه تصحيح المسار أو الاطمئنان تجاه صحة الإجراءات، وبُعد الشعور بالأهمية أو الملاءمة بمدى قناعة الفرد بفائدة تلك المهنة، وجدوى الثمار المرجوة منها.. ودي ومحبتي.
[email protected]