بقلم ✍️ د.محمد يحيى (مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات بالمنوفية)
التوتر والقلق وضغوط الحياة، من منا من لم يتعرض لجرعات زائدة من هذه الرفقة المتعبة و المرهقة، ومن منا من لم يشعر بوطأتها وبثقلها الشديد الذي قد يفوق التعب البدني بمراحل كثيرة.
هذه الرفقة التي اصبحت سمة من سمات عصرنا و مصاحبة دائمة لكثير منا، و لكنها للأسف رفقة مؤذية ومنغصة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالتوتر والقلق على الرغم من كونهما حالات طبيعية و احساسات في أصلها ايجابية تحمل الانسان على الجدية والمبادرة والاحساس بالاهتمام إلا أن الافراط فيهما يحمل من الاضرار والتنغيص ما قد يفوق الايجابيات المترتبة عنهما.
فالتوتر الزائد والقلق الشديد قد يتحولا الى ان يصبحا كالخلفية الملازمة التي يتحرك المرء في ظلالها، والتي تتغير المواقف والاحداث وتبقى هي ثابتة ساكنة تذيق المرء الضغوط والآلام بلا داعي، بل وتنسيه الاحساس بحلاوة الحياة ومتعة الطريق ولذة الوصول والنجاح.
هذا التوتر الزائد عندما يعتاده الانسان ولا يحاول مقاومته، فإنه يجذب الانسان في مكر ونعومة إلى أن يدخله في دوامة من الضغوط والمعاناة المستمرة التي تسحب هذا الشخص أكثر و أكثر إلى أعماق هذه الدوامة إلى أن تسلمه إلى الغرق في بحر من الامراض الجسمانية والنفسية والمشاكل الاجتماعية التي تكاد لا تنتهي!
إن التوتر الزائد يأتي وتأتي معه اعراض مثل قلة التركيز والاضطرابات في النوم و الاضطرابات في تناول الطعام و الاحساس بالصداع والألم، والتي قد تتطور مع استمرار التوتر الشديد إلى الدخول في مشكلات صحية خطيرة.
كما ان هذا التوتر الشديد يصيب الشخص بمداومة الاحساس بالارهاق وبغياب النشاط وبالاحساس بالقلق الشديد كما انه قد يدفع بالشخص في النهاية الى الدخول في مشكلات الاكتئاب والعزلة. بالإضافة الى ذلك فهذا التوتر الشديد قد يدفع البعض الى انتهاج بعض السلوكيات المضرة كالتدخين وغيره في محاولة خاطئة منهم للتخفيف من وطأة هذا التوتر و التي بدورها تؤثر سلبيا على صحة هؤلاء الأشخاص.
ومع كل هذه المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية، تتضح ابعاد المشكلة ومدى عمقها و ضرورة الحل.
فالتوتر الزائد يعد من السلوكيات المضرة التي تتزايد خطورتها مع مرور الوقت وتتراكم آثارها السلبية مع توالي الايام وذلك إلى أن تظهر الاعراض الخطيرة و لكن بعد ان يكون الوقت قد فات. و من هنا تتضح ضرورة اخذ هذة المشكلة مأخذ الجد و محاولة التغلب عليها و معالجتها من البداية بدون تهاون.
وهذه المعالجة تنطلق من تقبل الاحداث و التسليم بالقدر و مواجهة المشاكل و المواقف بالهدوء و بالايجابية و بالرضا، كما تشمل ايضا سلوكيات مثل ممارسة الرياضة بإنتظام و المحافظة على النوم الكافي المنتظم و الغذاء الصحي، بالإضافة الى الانخراط الإيجابي في الحياة الاجتماعية و مشاركة الخواطر و الانفعالات مع الاشخاص القريبين. وقبل كل هذا يجب ان ينتشر الوعي بهذه المشكلة و ان يختفي سلوك التجاهل و الاستهانة بهذه المشكلة و ان يحل محله الانشغال و الاهتمام الجدي بالتوتر و سنينه!