»» بقلم ✍️ د.خلود محمود
( مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو )
يتغير مجري الحياة بأسرع ما يكون خاصة بالنسبة للحقائق والمعرفة والأساليب و الاختراعات ولكي نواكبها يحتاج الأمر إلى نوع مختلف من البشر من طبيعة أخرى يستطيعوا أن يتكيفوا مع هذه الحياة التي تتغير دائما وأبداً ، فالمجتمع الذي يستطيع أن يتغير ويواكب سيعيش و اما المجتمع الذي لن يستطيع ذلك فسوف يفنى ويموت ، ولأن التغيير سمه العصر الحالي تغيرت كافة ترتيبات وتنظيمات معالم الحياة من حولنا ومنها بل وأهمها العمل والنظام الرقمي الذي أصبح يسيطر علي كافة مجالاته وتحول من نظام بيروقراطي تقليدي إلي عالم الرقمنة الحديث.
قديماً ولكن ليس بالبعيد كانت البيروقراطية هي النظام الذي تعمل وتقوم عليه المؤسسات والهيئات بل والدول أيضاً .
النظام بيروقراطي ذلك المصطلح كثيراً ما يصادفنا تاره في اطار سياسي وتاره أخري في ظل نظام اقتصادي فما حقيقة ذلك المصطلح وماذا تعني البيروقراطية ، البيروقراطية في الأصل هي جهاز متخصص في الإدارة يهدف إلى تنفيذ السياسات العامة لأي دولة ويرتبط هذا الجهاز باللوائح والقوانين التي تحدد إجراءات العمل في اطار المصلحة العامة وبفضل هذا التخصص أصبحت البيروقراطية هي المصدر الرئيسي للنفوذ والتأثير السياسي في كل مجتمع إنساني ،
أن الدولة في كل مجتمع تسعى لتحقيق المصلحة العامة وخدمة المواطنين وتعتمد في تحقيق ذلك على الجهاز البيروقراطي الذي يعتبر جسراً يربط بين الحكام والمحكومين وهنا تمثل الأجهزة البيرقراطية حلقة وصل بين رئاسة الدولة ومواطنيها غير منحازه في رأيها أو تطبيقها للقوانين لأي منهم فهي أداة التنمية والتطوير والولاء للدولة والمؤسسات الوطنية.
ومع رقمنة الدول في السنوات الأخيرة برز الحديث عن الدور السلبي للبيروقراطية في الجزء الخاص بالتنمية وتعرضت لنقض كثير خاصة بعد إعلان الاتحاد السوفيتي عن البحث عن 16,000,000 مليون وظيفة مناسبة للبيروقراطيين السوفياتيين بحيث يتحولون إلى قوة عمل منتجة بعد أن أصبحوا قوة عمال عاله على خزينه الدولة السوفياتية ونفس الظاهرة وجدت في الصين والجزائر ومصر وغيرها من الدول حيث تشتكي المؤسسات الوطنية تضخم الوظائف الحكومية وقلت المردودية وانعدام الفعليه في التيسير .
والسؤال الذي كان يتبادر لأذهاننا دائماً هل تختلف في الدول النامية عن الدول المتقدمة من حيث النظام البيروقراطي ؟
الدول النامية تعتبر البيروقراطية مصدراً من مصادر السلطة السياسية اما الدول المتقدمة فهي عبارة عن جهاز مهني متخصص في الإدارة لتنفيذ السياسة المرسومة من القيادة وعليه فإن الاعتراف باحتلال البيروقراطية لهذا الموقع الاستراتيجي في الدولة ونظراً لكونها تمثل جسر يربط بين القيادة والشعب يعني أننا نعتبر أن البيروقراطية هي الأقلية المبدعة التي بيدها تنفيذ القرارات وكذلك صياغتها بحسب أهداف السياسة العامة للدولة ، فبالإضافة إلى كونها تحولت إلى وسيط بين القيادة والشعب ، تحولت إلى قوة مؤثرة في رجال الحكم ليس بصفتهم فئة مهنية متخصصة فقط بل تزود المسؤولين بجميع أنواع المعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قرارتهم ، ومن هنا أصبحت قوة متسلطة على المواطنين بصفته هي المسؤولة عن تقديم الخدمات لهؤلاء المواطنين ، وهنا شعر المواطن أن البيروقراطية تنتهج سياسة عشوائية وتستعمل أساليب باليه في العمل لا صلة لها بالإجراءات الإدارية البسيطة .
فأصبح المواطنون ينتقدونها علانية بوصف بسيط تسمعه من أي فرد داخل مؤسسة يعمل علي تخليص اجراءات معينة يعقدها إداري فيصفه “بيروقراطي متعفن” وما يشعر المواطن بالإحباط هنا قد يشعر صانع القرار في الدولة أيضا بالإحباط وضرورة مراجعة أساليب العمل مع البيروقراطيين لأن هذا الجهاز قد استولى على جزء كبير من مهام صانع القرار ،ونتيجة لهذا الشعور المشترك المتبادل بين المواطنين وصانعي القرار ضد التجاوزات البيروقراطية برزت الحملات الموجهة ضد التعقيدات الإدارية وفك الحصار المضروب من طرف البيروقراطيين على رقاب صانعي القرار والمواطنين ،ومن هنا اتت فكرة الدولة لادخال الرقمنه التي رفضتها البيروقراطية لأنها تقلص من نفوذهم وتعيدهم إلى احجامهم الطبيعية بحيث يتم إعادة تقسيم العمل بين البيروقراطية على أساس جديدة يقوم صانعوا القرار فيها بدورهم المنوط ويتحكمون في مقاليد الأمور وبالتالي يتخلص المواطنون من التعقيدات الإدارية التي تمنعهم من الحصول على خدمات ترتقي إلى مستوى الطموح الذي يتوقعونه من حكومتهم ومن هنا برز فكر القيادة السياسية وعملت على تحديد دور البيروقراطية المتمثل في تطبيق القوانين التي سنتها القيادة و دافعت عليها السلطة التشريعية نيابة عن إرادة الشعب ويتمثل الدوري البيروقراطي فقط في تنفيذ تلك السياسة .
ولو عدنا بالبحث عن المشكلات الجوهرية للبيروقراطية لوجدناها متمثلة في ثلاث مشكلات رئيسية الأولى هي غياب السياسة الوضحة والتصور الجيد للعمل المنظم وعدم وجود أهداف محددة وواضحة ورؤية مستقلة للمعالم السياسية في العمل وهنا يدفع البيروقراطي المسؤول فقط عن تنفيذ السياسات لاقحام نفسه في مجال الاجتهاد والتخمين والبحث عن مخرج من أي مأزق في العمل ويحل محل القيادة السياسية في المنشأة الادارية التي من دورها ازاله الغموض من اذهان الاداريين وتقديم خطة مدروسة للعمل مع بدائل التنفيذ وهي المشكلة الأولى ، أما المشكلة الثانية فتمثل في استئثار صانعوا القرار بالسلطة وعدم استشارة أصحاب الخبرة والجهات المعنية بالقرارات المتخذة ونتيجة لاهمال الروؤساء للمرؤوسين وعدم الاستفادة من ارائهم في العمل فتحول البيروقراطي الإداري إلى رجل سلبي يتهرب من المسئولية وينقدون أوامر رؤسائهم وذلك أملاً في أن يأتي دورهم في المستقبل ويقومون بتمثيل نفس الدور رؤسائهم انتقاماً لانفسهم ، وهنا يأتي دور متخذي القرار أن لا يجعل من مساعديه مجموعة موليه تخضع لأوامره وإنما يجعل منهم رجالا يساندونه في مهامه وعندهم الولاء للوظيفه وليس للشخص ، والمشكلة الثالثة التي تواجه البيروقراطية هي التمسك بحرفية القوانين واللوائح والتهرب من المسؤولية وهذا ناتج عن رغبة البيروقراطي في حماية نفسه من العقاب وعدم المخاطرة بمستقبله لأن الموظف الحكومي مسؤول عن تطبيق القوانين وليس مسؤول عن تحقيق نتائج إيجابي فهو يري أنه ليس من اختصاصه أن يبدع أو يقوم بمبادرات حيوية لإنعاش عمله ، فهو يأخد من القانون ما يعقد العمل ويعقد سير حركة المواطنين وليس روح القانون التي تتلائم بكافه الاشكال وبشتي المخارج بحسب طبيعة العمل والحياة فتاره يتحايل علي القانون ويستخدم الاستثناء والتسامح مع بعض الافراد امام انه يعقدها مع بعض الافراد الاخرين وهو ما يحطم معنويات الشعب والتوقف عن ذلك جاء بالفعل من متخذي القرار والسعي لعمليات التحول الرقمي الذي لن يتثني معها وجود مثل هذه المخالفات فاجهزة الدوله كافه مرتبطه ببعضها البعض اضافة الي ارتباطها بمواقع شكاوي للمواطنين تصل متخذي القرار بصوره فورية .
خلاصة هل يمكننا الاستغناء عن البيروقراطية؟.. الاجابة هي لا ، على الرغم من كل السلبيات التي يمكن أن توجد في نظام البيروقراطي فلا يمكن شن الحرب عليه أو الاستغناء عنه لأن ذلك يعني وقف عملية توسع المؤسسات و أحجام الدولة عن تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها في كل المجالات لكن الشيء المطلوب والجاري عمله بالفعل هو تبسيط إجراءات العمل اليومية وهو يحدث الآن بإدخال الرقمنة في كل المعاملات اليومية في المؤسسات .
إن الجهاز الإداري لأي دولة هو المسؤول عن التنفيذ وليس صانع القرار لأن البيروقراطي المسؤول عن التنفيذ لا يجب أن يقوم بدور صانع القرار لأن ذلك يدخله في ميدان آخر بعيدا عن اختصاصه وهو التنفيذ وهنا تأتي خطة الدولة التي تشتمل على الأهداف المحددة لكل قطاع والتي بدورها تعمل علي انجاح ذلك القطاع.
نهاية إن البيروقراطية كجهاز مهني متخصص في الإدارة والتنظيم وتنفيذ السياسات العامة لأي دولة ، يؤدي دوراً رئيسياً في مواجهة جميع التحولات الكبرى التي تحدث في المجتمعات الحديثة لانه يعتبر الجسر الذي يربط بين الجماهير الشعبية والقيادة السياسية في كل بلد، كما انه يحتل وضعا متميزا عن بقية المنظمات الاجتماعية الأخرى ،وذلك بحكم موقعه الإستراتيجي وخبرة أعضائه الطويلة في التيسير والاحتفاظ بالملفات والأسرار ولهذا فإن مظاهر السلطة السياسية لا تكتمل إلا من خلال السيطرة على الجهاز الببيروقراطي وولائه للنظام وانقياده لمتطلبات النظام السياسي الحاكم .