بقلم ✍️ د.خلود محمود
( مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
إن ثورة المعلومات والاتصالات التي يشهدها عالمنا المعاصر بعد التقدم الكبير في تقنيات الحاسبات والاتصال عن بعد وظهور الشبكات بمختلف أنواعها كان لها انعكاسات ايجابية متعددة كتسهيل عمليات التواصل والوصول الرقمي والحصول علي مصادر المعلومات بشكل أسرع والتعرف علي ثقافات الشعوب وإيجاد الفرص لإطلاق الإبداعات للشباب إلا أن سلبياته تعددت وخاصة فيما يتعلق باستقطاب الأطفال والمراهقين.
وأشارت لذلك دراسات عديدة حديثة علي أن عشرات الملايين من الأطفال والمراهقين الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي يقضون أكثر من خمس ساعات يومياً في تصفح الانترنت ومواقع ومنصات التواصل، وهذا يعتبر مؤشراً خطيراً علي الآثار السلبية التي يمكن أن يتعرض لها هذا الجيل من الأطفال خلال تفاعلهم مع تلك التطبيقات والالعاب أو تصفح مواقع مشبوهه أو التعرض لخطر التواصل مع مجهولين يؤثرون نفسياً وفكرياً علي تفكيرهم مما يعرضهم للكثير من المشكلات النفسية والصحية والاجتماعية.
ولكن قبل أن نخوض داخل تلك المشكلات من هو الطفل الرقمي علمياً “هو الطفل الذي ولد خلال طفرة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم ” لذا يمكننا القول أن كل من ولد بعد عام ٢٠٠٠ يمكن أن نطلق عليهم ذلك المصطلح.
وتعتبر مشكلة إدمان الانترنت من أهم المخاطر التي يتعرض لها الطفل الرقمي ويستند هنا مفهوم الادمان لكي نطلقه علي طفل علي ثماني عناصر إذا توافرت خمسة منها في طفلك فهو طفل مدمن رقمي وهي أولا الانشغال بتصفح الإنترنت طول وقت استيقاظه ، وثانياً الحاجة إلي قضاء وقت أطول علي الإنترنت أي أنه لا يستكفي مهما مرت الساعات ، ثالثاً فشل كل محاولات الاسرة للحد من تكرار استخدامه للإنترنت ، رابعاً الانسحاب والميل للوحده عند محاولة تقليل استخدام الإنترنت ، خامساً عدم القدرة علي تنظيم وقته ، سادساً عدم القدرة علي الاندماج مع البيئة المحيطة كالأسرة المدرسة والأصدقاء ، سابعاً التحايل لقضاء الوقت علي الانترنت ، وثامناً تعدل مزاجه خلال استخدام الانترنت.
وتعتبر من أكثر المشكلات مواجهه هو اعتقاد الاطفال أن التواصل مع الآخرين من خلال الانترنت هو أكثر أماناً من التواصل وجهاً لوجه وهو ما يؤدي الي العزله وصعوبة الاندماج في المجتمع الواقعي ويظهر ذلك في عدم انتظام النوم وتجاهل المسئوليات العائلية ،التأخر عن المدرسة عدم القدرة علي السيطرة علي الانفعالات وعدم التركيز .
تأتي في المرتبة الثانية من المشكلات الأكثر خطورة مشكلة التحرش عن طريق الإنترنت مصطلح قد لا يستوعبه عقل الكثير من الآباء والذي يعرف بأنه تحرش جنسي يحدث على أي منصة رقمية، عامة أو خاصة ، يشمل استخدام الرسائل والمشاركات والصور ومقاطع الفيديو والصفحات قد يتداخل التحرش الجنسي عبر الإنترنت مع تحرشات تحدث خارج العالم الرقمي ، وهو ما قد يجهله الكثير من الآباء في اعتقاد منهم أن بيئة الانترنت آمنه غير مدركين لخطورة الأفكار التي أصبحت تتخذ من الانترنت بيئه خصبة للترويج لتلك الأفكار والمخاطر التي قد لا يستوعب خطورتها الطفل عليه وينجرف فكرياً بدافع التجربة.
وهنا قد يكون الآباء سببا من أسباب تعرض أطفالهم لتلك المخاطر لانهم يعتمدون علي طريقة التشدد في التربية وفرض الأوامر واستخدام سلطاتهم الآبوية وفرض التهديدات وهو ما يجعل الطفل ينخرط في عالم الإنترنت لانه يشعره بأنه أكثر ارتياحاً مع أجهزه الكمبيوتر وأكثر ثقة وأريحية عند استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي لان الافراد بها يعاملونه معاملة أفضل يشعر فيها بذاته أكثر من بيئته المنزلية، فهو يصنع عالمه الافتراضي بأحلامه، كما يريد وهنا ومع وجود هذه التصورات تزيد الاحتمالات ليكون عرضة للتحرش أو التسلط أو التعرض للمحتوي العنيف أو الاباحي علي شبكة الانترنت.
ليست الشده والتربية فقط في معاملة الآباء للابناء التي قد يمكن أن تكون السبب فغالباً ما يكون الآباء والأمهات لا يراقبون أبناءهم عند استخدام التكنولوجيا نتيجة لافتقارهم المعرفة بإستخدام شبكات الإنترنت وهناك يكون انعدام دور توجيه الوالدين بالقدر المتوازن سببا من أسباب تعرض الاطفال لتلك المخاطر.
ولكي نواجه تلك المشكلات التي يسببها الإنترنت وأكثر علينا إيجاد المشاركة الحوارية بين الآباء والأبناء وتوفير الدعم القوي لأبنائنا وتعزيز ثقتهم بنفسهم ودعمهم بالحب والاحتواء والحرص علي التحدث معهم بشكل مستمر ولو بالقدر القليل عن تلك المخاطر والجلوس في مكان قريب معهم حين يستخدمون الإنترنت لتشجيعهم علي أكتشاف الانترنت وتبادل الأنشطة معهم وهو ما يمكن أن يحد من تعرضهم لمخاطر الإنترنت خاصة عندما يكونوا في سن صغير غير قادرين علي الاختيار الصحيح للأصدقاء أو للثقافات والأفكار التي يطلعهم عليها عالم الانترنت المفتوح.