شاهد صديقي، الكاتب والناقد، عروض مهرجان إقليمي لنوادي المسرح، ولأنه كاتب وناقد فقد بدا عليه الامتعاض والقرف، ولم يجد أحدا يطلع فيه غلبه سواي، تليفونه زيرو عشرة، وأنا كذلك، ويبدو أن الشركة منحته دقائق هدية بشرط أن يستخدمها في مكالمات زيرو عشرة فقط، فقرر أن ينتقم من الشركة في شخصي الضعيف، اتصل بي وظل يوبخني، باعتباري كنت عضوا في هذه اللجان، حتى نفدت دقائق الهدية كلها، وأنا حمدت الله أنها نفدت وإلا كان قد قضى على تماما بأزمة قلبية أو شلل نصفي، أو أي أزمة قاتلة من هذا القبيل.
صديقي سب ولعن في أم اللجان التي تذهب إلى الأقاليم لمناقشة تجارب نوادي المسرح، يبيتون في فنادق سبع نجوم، ويتناولون ثلاث وجبات ساخنة وباردة ونص نص، ويتقاضون مئتي جنيه ينطح جنيه كل ليلة، وفي النهاية يوافقون على انتاج عروض ماهي بالعروض وماهي بالمسرح، سحقا لهذه اللجان البائسة التي لا علاقة لها بالمسرح ولا حتى بالإذاعة والتليفزيون.
أنا طبعا لم أرد، ليس لأنني لا أملك ردا أو تعليقا، ولكن لأن صديقي أراد أن يستفيد وحده بالهدية المجانية التي منتحها لها الشركة، سحقا للهدايا، التي أظنها سبب امتلاء غرف العناية المركزة بالمستشفيات بالضحايا، وسبب الارتباكات المرورية لكثرة سيارات الإسعاف والحانوتية، التي تنقل هؤلاء الضحايا إلى مثواهم الأخير.
كنت أود أن أقول له الكثير لكنه لم يمنحني أي فرصة، لسان حاله كان يقول: هديتي وأنا حر فيها. والآن أقول له: موقعي وأنا حر فيه أقول عبره ما أريد.
اسمع يا صديقي، وأرجوك لا تظن نفسك بيتر بروك مصر، أنت أكبر من ذلك بقليل، أو بكثير، ما حدش واخد منها حاجة.
المهم، عليك أن تعرف، وأكيد أنت تعرف، أن مهمة لجان المناقشة هي التأكد من جدية صاحب المشروع، ومناقشته في بعض التفاصيل، ومشاهدة مشهد أو مشهدين من العرض بالكثير، وهناك بعض اللجان تقدم مقترحات مهمة للمخرج، وتترك له حرية الاختيار، كما تلفت نظره، هو فريق عرضه، إلى بعض الكتب المهمة التي يمكن أن تسهم في تطوير تجربتهم، وغيرها من الأفكار التي تطرحها اللجنة، ثم تترك الباقي عليهم، وعلى اللجان التي ستشاهد عروض المهرجان الإقليمي وتختار من بينها ما تراه صالحا للمشاركة في المهرجان الختامي.
وبحسبة بسيطة يا أخي صاحب هدية فودافون، فقد وافقت اللجان هذا العام على انتاج 163 عرضا في أقاليم مصر كافة، و تكاليف إنتاج كل هذه العروض لا تتجاوز 800 ألف جنيه، 163 عرضا بـ 800 ألف جنيه، يا بلاش، كأننا ننتج عروضا سنة 1919، وهذه العروض يشارك فيها حوالي 5 آلاف شاب وفتاة، ما بين ممثل ومخرج وشاعر ومصمم ديكور ومصمم حركة ومؤلف موسيقي، ولو افترضنا يعني أن هناك وسط كل هذه العروض 20 أو 30 عرضا جيدا، نكون حققنا إنجازا مهما، فضلا عن أن تشغيل كل هذه الأعداد من الشباب بهذا المبلغ البسيط، هو تجارة في المكسب وليست في الخسارة. أين يذهب كل هؤلاء لو منعنا عنهم هذا الدعم البسيط. لك أن تتصور أن هؤلاء الشباب يظلون لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر رايحين المسرح وجايين من المسرح، حتى لو لم يقدموا شيئا عظيما فإن تجمعهم هذا وفي هذه الأجواء داخل بيت أو قصر الثقافة، عمل عظيم، وسوف يربطهم حتما بالمسرح، سواء كصناع مسرح أو حتى كمشاهدين له، هو عمل لابد أن نشكر عليه اللجان وإدارة المسرح وإدارة النوادي وإدارة ثقافة الجماهير.
ما تفعله لجان المناقشة ليس عبثا والله، هدايا شركات الاتصالات هي العبث بعينه، خاصة لو كانت لكتاب ونقاد، امنعوا الهدايا عن هؤلاء لأنهم يستخدمونها في جرائم ضد الإنسانية.